إطالة اللسان
فايز الفايز
جوردن ديلي – ليس اليوم فحسب، ففي العام 2012 وضمن اجتماع للملك عبدالله الثاني شكا مسؤولون من أن بعض الأشخاص في المسيرات والمظاهرات، التي كانت في تلك الفترة تجوب الشوارع على قرع طبول الربيع العربي الذي رأينا أخيرا نتائجه الكارثية، يتطاولون على رأس الدولة بالكلام دون وعي ويجب أن تتم محاسبتهم على ما يتلفظون به لأنه فعل مناف للخُلق ويستدعي محاكمتهم، فما كان من الملك إلا أن رد عليهم بجملتين: إذا المشكلة عندي أنا مسامحهم، وأما إذا أساءوا لغيري فلهم الحق باللجوء الى القضاء، ولكن للأسف لم يتعلم البعض ممن يطرحون أنفسهم قيادات في «علم اللقلقة» السياسية من أدب الخصام مع أي إنسان وأن على أكتافهم يكتب رقيب وعتيد.
عشية الأمس وقبيل تقديم اللجنة الملكية للتحديث السياسي لمقرراتها أمام جلالة الملك، وجه الملك الحكومة لدراسة جميع القضايا المتعلقة بإطالة اللسان المخالف لأحكام المادة 195 من قانون العقوبات، والسير بإجراءات منح عفو خاص للمحكوم عليهم بتلك القضايا، وهذا الأمر لا يمكن النظر له إلا من زاوية التسامح المعهود لجلالة الملك، والرفعة والترفع عن صغائر اللفظ الذي لا يضر إلا بأصحابه، فالشتم والاتهام الاعتباطي غير الموثوق واللهث خلف روايات تشبه رواية الغول والعنقاء ليس من شيم الخصومة أكانت سياسية على المستوى العالي أو على المستوى الشعبي بين الأفراد، وهذا التوجيه يؤشر إلى التقديمة في التغيير الإيجابي نحو رفع سوية الخطاب عند الجميع.
ينسى البعض أن مجرد التطاول باللسان من الشتائم والتهديد المفضي للاشتباك أحيانا بالأيدي بين المواطنين يؤدي بهم لغرف المحاكم وتشكل الجاهات وأخذ العطوات وأحيانا يدفع المتطاول ثمن ثورة غضبه أو تباهيه بأنه صاحب العصا الغليظة أمام الآخرين.
إن توجيهات جلالة الملك المرحب بها والتي تنم عن شيم الكبار، يجب أن تؤسس لمرحلة من الرفعة في الخطاب وأدب الحديث ومقارعة الحجة بالحجة، حتى لا نبقى ندور في فلك التصيّد لأخطاء الآخرين والهجوم غير المبرر على كل قول أو فعل قد يُخطئ صاحبه عن غير قصد، وهذا ينسحب على جميع مكونات المجتمع، فالحكم أخيرا على النتائج التي يمكن مناقشتها ومحاسبتها بناء على أدب الحوار، فليس من المعقول أن يهب أي مسؤول أو شخص عادي لتقديم الشكاوى على رأي عادي من حق أي إنسان آخر أن يعارضه، ولكن رمزية الملك المصانة بالدستور لا تتساوق مع شخص عادي.
أخيرا فإن الملك هو رأس الدولة ومخاطبته تستوجب خطاباً راقياً كي تصل الرسالة المبتغاة للإفادة لا للمغالبة التي لا تستطيع حتما كسر شوكة الدولة، وقد شهد تاريخنا القديم والحديث الكثير ممن تآمروا بقوة السلاح على الدولة والملوك السابقين وتم العفو عنهم، بل وتبوأوا مناصب رفيعة لم يأخذها أبناء الوطن وحماة الدولة.
الرأي