الأرقام التي لا تقرأها الحكومات
ماهر ابو طير
جوردن ديلي – كل عام تتكرر الأرقام، بل وترتفع أكثر، من عدد الذين يسرقون الكهرباء، إلى عدد الذين يسرقون المياه، وصولا إلى عدد المتسولين الذين يتم إلقاء القبض عليهم، ثم عدد الذين تتم إحالتهم على خلفية قضايا المخدرات، وحتى عدد حالات الجريمة، وغير ذلك، من أرقام.
هذا يعني دون الدخول في تفاصيل كل حالة، أن القوانين بحاجة إلى تغييرات، ولو كانت القوانين رادعة، والقانون يطبق بطريقة صحيحة وعادلة وشاملة، لما واصلت الأرقام الارتفاع، فهذا الارتفاع يعني عدة أمور، أولها أن المجتمع يتغير بسرعة هائلة، وثانيها أن القوانين غير كافية ولا رادعة، وثالثها أن الناس لا يأبهون بكل رسائل العقاب التي يتم تمريرها عبر الإعلام، ويصرون على ذات السلوكيات، بل وترتفع أكثر كما أشرت.
التغيرات في المجتمع خطيرة جدا، ولا أحد يلتفت إلى هذه التغيرات، ويحاول حلها من جذرها، بل ان المعالجات تعتمد على العقوبات فقط، لكن الأرقام ترتفع، وهذا يعني أن الحل ليس كافيا.
الوضع الاقتصادي يتراجع بشدة، والفقر والحاجة لا يبيحان السرقة، لكن من سيستمع لهذا الكلام، ونحن نرى الأرقام التي تتحدث أيضا عن فاقد المياه مثلا، وهي أرقام مذهلة تدل على وجود عبث أو سرقات على مستويات مختلفة، أوصلتنا وفقا للمسؤولين إلى الاضطرار لشراء المياه من الاحتلال الإسرائيلي، وكأنه يقال لنا، انه لولا سرقاتكم، لما عشنا هذا الصيف الصعب، وهذا ذريعة على أي حال، لكنها ليست كل الحكاية، إذ إن السرقات قد لا تجدها عند الأفراد الفقراء، لكنك تجدها عند بعض أصحاب المزارع، أو الذين يبيعون المياه للصهاريج.
كيف يمكن أن يقبل الإنسان على نفسه أن يسرق المياه، ويتسبب بعطش غيره، والسؤال الأخلاقي غائب، فالكل كالعادة يتهم الحكومات بكونها السبب، لكن لا أحد يحدثك عن الحلال والحرام، وكأن تعسف الحكومات في سياساتها الاقتصادية يبيح السرقة لدى البعض.
الأمر ذاته في قصة الكهرباء، إذ فوق أن الكهرباء يتم توليدها بغاز مستورد من الاحتلال، إلا أن سرقة الكهرباء كانت قائمة حتى قبل استيراد الغاز من إسرائيل، وهناك فنون في السرقة، لا يدركها كثيرون، إضافة إلى ظاهرة الامتناع عن الدفع، والكل يقول لك ان الحكومة تبالغ في الأسعار، وسرقتها حلال، وهذه مهزلة والله، لأن الشعور بالظلم لا يبيح السرقة، هذا فوق أن الحكومات ترد بالقول إن سعر الكهرباء في الأساس يجب أن يعالج بشرائح وأسعار مختلفة، ويتم تطريز فاتورتك بدعم عاطفي تدعيه الحكومة، كما في قصة فاتورة المياه.
منذ أن عملنا في هذه المهنة ونحن نقرأ عن بطولات الجهات المختصة في محاربة التسول، وكلما عشنا عاما، زاد عدد المتسولين، والظاهرة السيئة لا تتوقف، على الإشارات المرورية، وقرب أجهزة الصرف النقدي للبنوك، فوق الجولات على البيوت، والعمارات، والمكاتب، والأسواق، مع نشوء ظاهرة التسول الإلكتروني، ولا يحتاج المتسول إلا لوصفة دواء يدعي عدم قدرته على دفعها، من أجل ممارسة نشاطه، والمهم هنا، أن عدد المتسولين يزداد في العاصمة وغيرها، والسؤال يرتبط هنا، بجدوى الحملات ضد التسول، إذا كان المنتسبون لهذا “القطاع الحيوي” في ازدياد، وكأنه ينقصهم بعد قليل المطالبة بنقابة لصون حقوقهم.
هل الخلل هنا يكمن في الإجراءات والقوانين، ام في المجتمع الذي يتحدى الدولة، أم في الأمرين معا، خصوصا، ان هذه الارتفاعات تمتد إلى عدد قضايا المخدرات، وبرغم سجن المدمن والموزع، إلا أن عدد القضايا يزيد بطريقة تعترف بها الجهات الرسمية ولا تخفيها.
كل هذه يقودنا إلى خلاصات مهمة، أولها أن الإجراءات ضعيفة وغير رادعة، وان عدد الكوادر التي تراقب وتنفذ القوانين في هذه الملفات مثلا، قليل ولم يعد كافيا، وان القوانين لا تردع بشكل كاف، وان البنية الاجتماعية تتغير بسرعة مذهلة، ودون ضوابط، بما يقودنا الى التخيل حول المشهد بعد سنوات، وكيف سنكون، وإلى أين سنصل في سباق الأرقام؟.
متى ستجلس الحكومات، هذه أو التي تليها لتقرأ الأرقام ولتسأل إلى أين يذهب الأردن، هذه الأيام، بدلا من هذه الإدارة اليومية لشؤون البلاد على طريقة الرقع المؤقت لدولاب السيارة الذي يهرب الهواء بسبب مسمار، فيما لا يقرر أحد تغيير الدولاب ذاته بعد أن كثرت رقعه؟.
الغد