الحكومة الجديدة..فرصة للعمل الجاد ومواجهة التحديات بشجاعة
كتب : نضال الزبيدي
جوردن ديلي – خلال لقائي الأخير مع الرئيس التنفيذي لإحدى كبريات شركات الاستشارات والتخطيط الاستراتيجي في الأردن، اتضح لي أن المملكة تقف اليوم في لحظة هامة. ففي الوقت الذي يمضي فيه الأردن قدمًا بخطة التحديث الاقتصادي، مدعومة بشراكات عالمية متعددة تهدف إلى تعزيز القطاع العام، تبرز الأرقام لتعكس قصة تقدم ملحوظة ، فقد شهدت المملكة تحسنًا في عدد من المؤشرات العالمية، بما في ذلك بيئة الأعمال، وانخفاض معدلات الجريمة، وتحسن مؤشرات العدالة الجزائية.
الرئيس التنفيذي، الذي أسس شركته في عام 2011، استعرض بالأرقام والحقائق التطور الذي تشهده المملكة في العديد من المجالات ، على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث ظهر تغير ملحوظ في عقلية ومنهجية المسؤولين والموظفين الحكوميين. ومع ذلك، ورغم هذه التحسينات الواضحة والارقام ، لم يلمس المواطن الأردني العادي بعد هذه الفوائد بشكل ملموس. لماذا؟
وعلى صعيد متصل ، قرأت اليوم أن رئيس الوزراء المكلف، الدكتور جعفر حسان، قام بزيارة ميدانية لمدرسة ابتدائية في منطقة بلعما بالمفرق، وزار قبل ذلك قرية نائية في دير علا. هذه الزيارات، التي جاءت بعيدًا عن الأضواء والشعبوية، قد تكون محاولة من الرئيس لإيصال رسالة مفادها، بأنه يتلمس بجدية احتياجات وقضايا المواطنين البسطاء.
أولئك الذين عملوا مع الدكتور حسان عن قرب يصفونه بأنه رجل عملي وبراغماتي، ويمتلك رؤية سياسية واقتصادية، بحكم قربه من جلالة الملك، بفضل موقعه السابق كمدير لمكتب جلالته، حيث أكسبه خبرات وتجارب هامة وفهمًا عميقًا لرؤية الملك تجاه النهوض بالوضع الاقتصادي الوطني وتحسين مستوى دخل ومعيشة المواطن وضمان تحقيق العدالة والمساواة بين جميع الأردنيين.
ومع ذلك، لدي تحفظات حول بعض الأسماء في حكومة الدكتور حسان. صحيح أن الحكومة تضم شخصيات بارزة ذات خبرات مميزة،الا ان بعض الاسماء ليست بالمستوى المطلوب ، ربما لدى الرئيس وجهة نظر أخرى.
الأردن اليوم يواجه تعقيدات جيوسياسية عميقة، بدءًا من الحرب على غزة التي توشك على دخول عامها الأول، مرورًا بالصراع الدائر في لبنان، والصواريخ الإيرانية التي تعبر الأجواء الأردنية، وصولًا إلى الاعتداءات المتكررة للمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في الضفة الغربية. هذه الظروف تتطلب من الأردن ضرورة تعزيز جبهته الداخلية ونسيجه الوطني لمواجهة هذه التحديات المحدقة.
الحكومة الجديدة، التي حازت على ثقة جلالة الملك وتسعى الآن لنيل ثقة مجلس النواب خلال الجلسة الافتتاحية في الثامن عشر من الشهر المقبل، تواجه اختبارًا غير مسبوق. فالانتخابات البرلمانية الأخيرة تمت لأول مرة على أساس القائمة الحزبية العامة، ما يشكل تحديًا إضافيًا لها . وستظهر الأيام القادمة مدى قدرة هذه الحكومة على التعامل مع هذا التحدي والضغوط القادمة من البرلمان.
لكن السؤال الأكبر يظل: هل تستطيع الحكومة تجاوز الأزمات الداخلية والخارجية التي ورثتها؟ وهل ستتمكن من تنفيذ برامجها التنفيذية بالكفاءة المطلوبة لضمان الاستقرار الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام؟ فالأردن، الذي يعاني من شح الموارد، يعد من أكثر الدول تأثرًا بالصراعات الجارية في المنطقة.
تعتمد المملكة بشكل كبير على السياحة كمصدر رئيسي للإيرادات، وهو قطاع تضرر وسيظل يتأثر بالتوترات السياسية والعسكرية في المنطقة ، كما أن القطاع الزراعي والصادرات، اللذان يشكلان دعامة هامة للاقتصاد الوطني، معرضان للتأثر بشكل كبير. علاوة على ذلك، تزايدت تكاليف النقل بسبب التحديات التي تواجهها المعابر البرية والبحرية، ما سيؤثر سلبًا على إيرادات الدولة. وبالتالي، سيتحمل الاقتصاد الأردني أعباءً إضافية ستؤثر بلا شك على الحياة الاجتماعية للمواطنين.
في ظل هذه الظروف، لا بد من تعاون وثيق بين القطاعين العام والخاص.، اذ لا يمكن للأردن تجاوز هذه المرحلة الحرجة دون تنسيق الجهود لبناء اقتصاد قادر على مواجهة الصدمات الخارجية. يجب الابتعاد عن المزايدات السياسية والتشكيك في النوايا، والعمل بشكل جماعي لتحقيق المصالح الوطنية العليا.
الأردن اليوم عند مفترق طرق، والحكومة مطالبة بإثبات قدرتها على توجيه البلاد خلال هذه الأوقات العصيبة. وإن فشلت في ذلك،لا قدر الله، فقد تكون العواقب الاقتصادية والاجتماعية وخيمة.