الخطاب النسوي وآليات التأثير المجتمعي
الدكتور عاطف القاسم شواشرة
جوردن ديلي – رغم اصراري الشديد على منح المرأة كافة حقوقها الانسانية وبما تقتضيه العدالة الجندرية القائمة على منع كافة أشكال التمييز ضد المرأة إلا أنني أعيب على بعض المفكرات النسويات في منطقتنا العربية ومدعي الإصلاح من التيار الليبرالي أمرين هامين:
الأول: القصور الذاتي في إدراك آليات الخطاب الجماهيري المؤثر والمراعي لطبيعة النفس الانسانية وكيفية عرض وجهة النظر المخالفة للتيار الأغلب في المجتمع، وقد تبدى ذلك من خلال الكثير من المنشورات المتطرفة التي تناولت وفاة د. نوال سعداوي بشيء من المبالغة في تعظيمها وتمجيدها وكأنها نبي مرسل.
قابل ذلك طبعا هجمة مضادة وساخطة على د. نوال بسبب آرائها الدينية المتطرفة التي جعلتها محل رفض وانتقاد وباتت آراؤها الاصلاحية في مجال النسوية التي كانت ستسهم في تطوير المجتمع لو قدمت ضمن اطار فكري متناغم مع فكر المجتمع، باتت مرفوضة وغير مقبولة لخلطها بقضايا المثلية الجنسية ورفض الدين وبهذا تكون قد خسرت مشروعها الاصلاحي التي أفنت عمرها في الدفاع عنه.
الثاني: النقد اللاذع للخطاب الديني وبعض الآراء الفقهية الاجتهادية بصورة عامة والتي تبدو للقارئ العادي على أنها معاداة للدين بالمطلق، وكما هو معروف فإن المنظور الديني في مجتمعاتنا يشكل المادة الدافعة والمحفزة للمنظومة القيمية الحياتية والتصور الكوني للوجود وهذا يشكل جوهر العمل والسلوك الجمعي في مجتمعاتنا العربية.
ونتيجة لذلك يتكون تيار مجتمعي معاكس يرى في هذا الخطاب تهديدا لهوية الأمة وانسلاخا مقصودا عن الثوابت يهدف لهدم المجتمع وعاداته وتقاليده الراسخة، ولذا ينشأ خطاب ديالكتيكي مضاد مقاوم للتغيير يشيطن الخطاب الجندري ويدعو للتمسك بالذكورية ويتحول هذا السجال إلى شرخ في التوافق العام للمجتمع، يستغله البعض ممن يجدون حاضنتهم في الاحتماء بالاستبداد الذكوري المحمي بطبقات تراكمية تاريخية ثقيلة من العادات والتقاليد والارث الممتد لمئات السنوات مما يجعل أمر اختراقه صعبا يستغله في الحفاظ على المكتسبات الذكورية التي تنعكس لاحقا على حالة التردي المجتمعي في الأدوار الانتاجية والابداعية والسياسية نظرا لخسارة مجتمعاتنا لكل تلك الطاقات النسوية الصادرة من المرأة.
لقد آن الأوان للنهوض بمجتمعاتنا والتخلص من الإرث الثقيل الذي يحتقر المرأة ويحارب أدواتها السامية في الأمومة وفي دورها الانجابي المقدس الذي منحه الله لها لتمارس حياتها بكرامتها الانسانية الكاملة وذاتها التي توازي ذات الرجل بعيدا عن كل ما يقلل من شأنها.
وللوصول لهذه المرحلة علينا فك عرى العلاقة بين الفكر النسوي التحرري المبني على الحق الانساني وبين ما أنتجته الموجه النسوية الثالثة من انحرافات أدت إلى الاضرار بقضايا المرأة حول العالم، وفصل ذلك كله عن قضايا المثلية الجنسية ومحاربة الأديان وصولا للمعنى السامي والغاية الفاضلة للنسوية، وهنا أستذكر مجموعة من النسويات الأردنيات الرائعات اللواتي يعملن ليلا نهارا على رأب الفجوة الجندرية في المجتمع الأردني بتناغم متكامل مع طبيعة المجتمع دون معاداة للدين أو الرجل شريك التغيير والحياة، فلهن كل التقدير والاحترام.
** رئيس جمعية العلوم النفسية