uncategorized

الرياض وإسلام آباد… تحالف دفاعي يعيد رسم الأمن الإقليمي

كتب : نضال الزبيدي


جوردن ديلي – حين توقع السعودية وباكستان اتفاقية دفاع استراتيجي تُقرّ بأن أي اعتداء على أحدهما هو اعتداء على كليهما، فإننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات بين العالمين العربي والإسلامي ، وهذا ليس مجرد تفاهم عابر أو تعاون عسكري محدود، بل هو صياغة جديدة لمفهوم الأمن الإقليمي في مرحلة تتبدّل فيها التحالفات وتُختبر الضمانات القديمة.

لطالما جمعت بين البلدين صلات وثيقة، بعضها يقوم على العقيدة والدين، وبعضها على التاريخ والسياسة ، فمنذ ستينيات القرن الماضي، كان الجنود الباكستانيون في المملكة حماةً للمدينتين المقدستين، مكة والمدينة، ثم جاء عقد الثورة الإيرانية عام 1979 ليزيد تلك العلاقة رسوخاً في مواجهة هواجس التمدّد الإقليمي، واليوم، يتكرس هذا الإرث في معاهدة تُشبه في جوهرها فكرة “المصير المشترك”، وهو مفهوم يتجاوز الجغرافيا ليصل إلى عمق الاستراتيجية.

في المشهد الدولي الراهن، لم تعد الولايات المتحدة الضامن الوحيد، ولا القوة المهيمنة التي تستريح على كاهلها دول المنطقة. الهجوم الأخير على قطر ، بما حمله من إشارات صادمة، كشف حدود المظلة الأميركية، وأثار أسئلة كبرى عن البدائل. من هنا يأتي التوجه السعودي نحو باكستان، الدولة النووية ذات الثقل السكاني والعسكري، ليمنح الرياض قدرة ردع إضافية ويُرسل في الوقت نفسه رسالة واضحة: أن الخليج لا يقف وحيداً.

لكن، ما يلفت النظر في هذه الاتفاقية أنها لا ترفع السيف في وجه طرف محدد، بل تُبنى على مبدأ الدفاع والردع، لا على العدوان. وهذا بحد ذاته يُشكّل خطاباً سياسياً مختلفاً: أن العالم الإسلامي قادر على تنظيم أمنه دون أن يُعلن حرباً أو يدخل في مغامرات غير محسوبة.

ومع ذلك، يبقى التحدي في الموازنة الدقيقة: فالسعودية التي تعقد معاهدة دفاع مع باكستان، هي نفسها التي تسعى إلى تطوير علاقاتها مع الهند ، وهذا يُعيدنا إلى مهارة الدبلوماسية السعودية، التي خبرت دهاليز التوازنات الإقليمية منذ عقود ، فمنذ تأسيسها، سعت المملكة إلى بناء علاقات مع قوى متنافسة دون أن تقع في فخ الاصطفاف الأعمى.

الاتفاق الجديد يُذكّرنا بأن العالم يتغيّر بسرعة ، الحرب على غزة، الضربات التي طالت قطر، الارتباك في الموقف الأميركي… كلها إشارات على أن عصر “الاعتماد المطلق” قد انتهى. لم يعد يكفي أن تنتظر الدول الصغيرة أو الكبيرة المظلة من الخارج؛ عليها أن تبني شبكات أمنها بيدها، وأن تُعيد تعريف مصالحها بواقعية جديدة.

وفي النهاية، ربما نستطيع القول إن ما جرى في الرياض لم يكن مجرد توقيع على ورق، بل كان إعلاناً عن استراتيجية : أن الدفاع عن مكة لا ينفصل عن الدفاع عن لاهور، وأن أمن الخليج يتقاطع مع أمن جنوب آسيا، وأن العالم الإسلامي حين يتحد في حدّه الأدنى، يملك أن يُغيّر في معادلات الحدّ الأعلى.

Back to top button