السويداء… اختبار الوحدة والهوية

كتب : نضال الزبيدي
جوردن ديلي – ما عاد ما يجري في السويداء تفصيلاً في دفتر الحرب السورية الطويل. لقد تجاوز الأمر مشهد المظاهرة أو رفع لافتة، إلى ما هو أبعد بكثير: اختبار جديد لوحدة سوريا، وامتحان صعب لأمن الأردن، واستثمار قديم – متجدد – لأطماع إسرائيل في الجغرافيا والذاكرة.
في جبل العرب، يخرج الناس بين يوم وآخر، يرفعون شعار “حق تقرير المصير”، البعض يلوّح بالعلم الإسرائيلي، والبعض الآخر يتبرّأ منه علناً. المشهد نفسه يفضح التمزق: أبناء طائفة واحدة، على أرض واحدة، يختلفون بين من يراها قضية حقوق ومن يراها خيانة.
ليست السويداء مدينة عابرة في تاريخ الشام. هي خاصرة دمشق، وبوابة الأردن، وبئرُ ماء قديم صمد في وجه العواصف ، واليوم تتحوّل إلى جرح مفتوح، تنزف منه دماء الضحايا، وتعبره شبكات التهريب، وتُحاك حوله خرائط “ممرّات إنسانية” تتخفّى وراءها مشاريع التفتيت.
إسرائيل لم تتوقف يوماً عن ممارسة هوايتها القديمة: اللعب بالخرائط. حين سُرِّب “مشروع داود” ، بدا وهماً من أوهام الاستخبارات، اليوم يعود اسمه من جديد، لا كفكرة نظرية، بل كإحداثيات على الطاولة، من القنيطرة إلى درعا فالسويداء، ثم إلى الفرات… خط واحد يريد أن يحاصر دمشق ويشرّح سوريا إلى كانتونات او دويلات.
الأردن يعرف أن النار إذا اشتعلت في الجنوب السوري ستصل رائحتها إلى عمّان ، فجلالة الملك عبدالله الثاني حذّر مراراً: لا تتركوا الجنوب للفوضى، لأن الفوضى لا تعترف بالحدود.
الاردن جدد رفضه بشكل قاطع مرور المساعدات الإسرائيلية عبر أراضيه ، والرسالة واضحة: الممرّات التي تُقام خارج دمشق لا تمرّ من هنا.
أما دمشق نفسها، فتكشف أوراقها على لسان الرئيس أحمد الشرع، الذي تحدّث عن “نهج خارج الصندوق” في التعامل مع التدخل الإسرائيلي ، لكن ماذا يعني هذا “الخارج”؟ أهو مناورة سياسية أخرى؟ أم اعتراف ضمني بأن الدولة لم تعد تمسك بخيوط الجنوب كما كانت؟
السويداء اليوم ليست أزمة محلية، بل مختبر إقليمي، فيها تُختبر حدود إسرائيل السياسية، وحسابات أميركا التفاوضية، ومخاوف الأردن الأمنية، وصبر دمشق على التآكل البطيء، أما أهلها، فأبناء جبل قديم، يجدون أنفسهم رهائن بين جغرافيا متآكلة ومشاريع تتخطى أحلامهم الصغيرة في العيش بسلام.