ارآء

العباءات .. الرمزية التي كانت

الدكتور صبري الربيحات 


جوردن ديلي – لا اعرف لماذا خطرت ببالي العباءة والعباءات… اهو الطقس البارد الذي اجتاح بلاد الشام خلال الايام الماضية… ام استحضاري لمشاهد العشرات من الرجال الذين احتفظوا بعباءات يرتدونها عند مشاركتهم في بعض المناسبات والفعاليات التي تستند الى قيم وعادات لها ارتباط بالتاريخ او الارض او الموروث الثقافي…ام هي صورة مخاتير قرية عيمة في السبعينيات وهم ينتظرون سيارات اللاند روفر التي تاتي الى القرية في الصباح وعند العصر…

في تلك الايام كان الصراع على اشده في القرية بين مخاتيرها الذين انقسموا الى معسكرين يكيل كل معسكر التهم الي منافسيهم ويتقدمون بعشرات الشكاوي الى متصرف اللواء والمحافظ وربما تتجاوز الشكاوى كل السلطات المحلية وتصل العاصمة على هيئة برقيات وبرقيات مضادة.. كل ذلك في اطار فهمهم للمصلحة العامة كل على طريقته.

اظن انها اغنية سميرة توفيق التي تشتمل كلماتها على بيتا يقول “ريتني خيط بعباية.. ريتني صفحة بحكاية”..

العباءة التي كادت ان تختفي من خزائن ملابس الاردنيين كانت الاكثر حضورا والابرز دلالة على مواقع ومراكز ومكانات الرجال في مجتمعاتنا. في طفولتنا وصبانا كان العامة من رجال القرية يحتفظون بعباءة واحدة على الاقل يرتدونها في الافراح والاعياد والمناسبات الرسمية في حين يملك الوجهاء والمخاتير والشيوخ اكثر من عباءة بعضها لمقابلة الحكام الاداريون والوزراء وبعضها للجاهات واخرى للمناسبات المحلية..

الوان العباءات ونوعية الاصواف والمواد الداخلة في تصنيعها اضافة الى حجم الكلف والتقصيب الذي يلف اطرافها عوامل مهمة للتعريف بمكانة من يرتديها..

بعيدا عن العباءات المقصبة والمشغولة يدويا وحتى ما صنع في الصين الوطنية “تايوان” منها كان العرب يتغنون ويتفاخرون بعبيهم الضافية ويدخلون المستجيرين بهم تحت عباءاتهم ويمنعوهم.. ويصفون اصحاب المروءة بانهم “العباءة الضافية” وتحرص القبائل على ان تلبس عباءة لابنتها ليلة الزفاف في اشارة للعروس بانها ستبقى في حماية اهلها وفي تذكير للعريس ان وراءها اهل لن يتخلون عن حمايتها.

في اقتصاد الوفرة الذي تعيشه المجتمعات العربية المجاورة اصبح البشت “العباءة” رمزا من رموز الثراء وقطعة لا يستغني عنها الرجال الذين يحتلون مراتب ومكانات رفيعة.. في تلك المجتمعات يرتدي الشيوخ الوان متعددة من العباءات تبعا للمناسبة.. فهم يميلون لارتداء الاسود في المناسبات الرسمية والابيض في الاعياد والاحتفالات ويقتني الشيخ الوان اخرى بعدد ايام الاسبوع.

من الوجهة السياسية والاجتماعية ترمز العباءة الى الجاه والحكمة والخبرة والاتزان فيتوقع من اهل العبي ان يكونوا حكماء وعقلاء وان يكونوا صادقين وموثوقين يعرف عنهم الكرم والشهامة وفك النشب واصلاح ما يفسده الجهلة وقليلوا الخبرة والمتهورون فهم كالرواسي لا تهدهم الاعاصير ولا ينساقون مع التيار ولا تحملهم العاطفة ليقولوا ما يتنافى مع الموروث والاخلاق والمنطق..

يتحملون اللوم ويمتصون سورات الغضب ويتصدون للمواقف الصعبة مهما كلف ذلك.. المؤسف هو ظهور فئات تزين اكتافها بعباءات لا يدركون معنى ولا مسؤولية ارتداءها.. الزهو بعباءة الفرح لا يخلي مرتديها من مسؤوليات الدور الذي وضع نفسه به..

في مجتمع تتصدع بناه التقليدية هناك حاجة ملحة للتمييز بين معنى العباءة ومظاهر من يرتدونها. اليوم وفي غفلة من الزمن تسلل الى مجتمعنا العشرات ممن يجري تسويقهم على انهم حكماء واصحاب تجربة لا غنى لنا عنها..

الفئات الجديدة التي استولت على منابرنا وفضائنا ودواويننا وساحاتنا هبطت الينا من شقوق تصدعاتنا فظهروا باثواب حيكت لهم وبحكايات وشعارات وخطاب لا يشبههم وادوات لا تشبهنا ولا تشبه ابائنا واجدادنا الذين تعايشوا مع المكان وغذوا ترابه بهياكل عظامهم.

Check Also
Close
Back to top button