العقوبات الأمريكية غير الشرعية..أخطر من الكوارث الطبيعية
جوردن ديلي – منذ أكثر من أسبوع، تسببت الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا في خسائر فادحة للبلدين، وقد أسفرت عن أكثر من 44000 قتيل حتى الآن. قد مدت عديد من الدول يد العون في اللحظة الأولى إلى الدول التي تواجه الصعوبات، الأمر الذي يجسد الروح الإنسانية الدولية والتطلعات إلى مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
على الرغم من أن الصين بعيدة عن تركيا وسوريا جغرافيا،غير أن الحكومة الصينية تحركت بسرعة لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى تركيا بقيمة 40 مليون يوان صيني وإلى سوريا بقمية 30 مليون يوان صيني، وقد تم إيصال الدفعة الأولى من المساعدات العاجلة وستصل الدفعة الثانية قريبًا.
تعمل الصين على تسريع تنفيذ المساعدات الغذائية إلى سوريا، حيث تكون 220 طنًا من القمح في طريقها، وسيتم شحن أكثر من 3000 طن من الأرز والقمح المتبقية في هذا الشهر. قدمت جمعية الصليب الأحمر الصينية مساعدة نقدية عاجلة بقيمة 200 ألف دولار أمريكي إلى جمعية الهلال الأحمر لكل من تركيا وسوريا، وقدمت هذه الجمعية دفعتين من المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وأرسلت فرق الإنقاذ إلى سوريا.
وتوجه فريق الإنقاذ للحكومة الصينية الذي يتكون من 82 فردا، وفريق الإنقاذ لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة الصينية الذي يتكون من 59 فردا ،مع 441 فردا من 17 فريقا من قوى الطوارئ الاجتماعية المحلية الصينية إلى المنطقة المنكوبة بالزلزال في تركيا، وقد تمكنت هذه الفرق من إنقاذ عشرات الناجين. لاقت المساعدات الصينية المخلصة التي وصلت في موعدها “الثناء” الصادق من السكان المحليين.
تسابق عملية الإنقاذ الزمن، وتجري عملية إيصال المساعدات على قدم وساق. لكن في هذه اللحظة الحاسمة، وجد الناس أنه من الواضح أن عملية الإغاثة من الكوارث في سوريا متخلفة ومعيقة مقارنة مع ما جرى في تركيا.
يكون المنكوبون في سوريا بحاجة ماسة إلى آلات الإنقاذ والمعدات الطبية والأدوية، غير أن طائرات الشحن الأجنبية لا تجرؤ على الهبوط في سوريا بسبب الخوف من العقوبات، كما أن طرق التحويل لشراء المواد قُطعت بسبب العقوبات، حتى أن الجماهير اضطرت إلى الحفر في الأنقاض بأيديهم العارية، وفقد المدنيون الأبرياء بمن فيهم الأطفال أرواحهم الثمينة. لا يمكن للولايات المتحدة التهرب من مسؤوليتها عن هذه المشاهد الغريبة والمعادية للإنسانية.
فرضت الولايات المتحدة، التي تعتبر نفسها كـ”شرطة العالم”، عقوبات أحادية الجانب على سوريا لسنوات عديدة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا بشكل خطير وأضعف قدرة الحكومة السورية على مواجهة الكوارث إلى حد كبير. بعد الزلزال المدمرة، رفضت الولايات المتحدة رفع العقوبات، وادعت بأن “العقوبات المفروضة على سوريا لا تعيق تقديم المساعدات الإنسانية إليها”، وذلك من أجل محاولة تضليل الرأي العام في العالم.
قال وكيل الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر خافيير كاستيلانوس إن العقوبات المفروضة على سوريا تسببت في ارتفاع أسعار السلع وزيادة تكاليف الإنقاذ وتأخير عمليات المساعدة الإنسانية. ودعا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا جيل بيترسون إلى “عدم تسييس عملية الإغاثة العاجلة”.
وسط النداءات المتكررة من الأمم المتحدة والدول المنكوبة وإدانات الرأي العام في العالم، اضطرت الولايات المتحدة للإعلان عن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مؤقت، لكنها فرضت قيودًا مختلفة بما فيها وضع السقف الزمني لمدة 180 يومًا للمعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال في سوريا فقط. لكنه قد مرت 72 ساعة من فترة الإنقاذ الذهبية عندما أعلنت الولايات المتحدة عن هذه الخطوة، ومن غير المتأكد أن تنفذ هذه الخطوة على الأرض. حسب الرأي العام، إنها ليست سوى “مهزلة سياسية” للولايات المتحدة.
إن نفاق الولايات المتحدة تعاكس بكل وضوح الجهود المتضافرة للمجتمع الدولي، وتكون الأضرار لـ”الكوارث التي صنعها الإنسان” أخطر بكثير من الكوارث الطبيعية مثل الزلزال.
تستحق الولايات المتحدة لقب “القوة العظمى الوحيدة للعقوبات” في العالم. وفقًا لـ”تقرير تقييم العقوبات عام 2021″ الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، بلغ إجمالي عدد العقوبات السارية التي فرضتها الولايات المتحدة أكثر من 9400 بحلول السنة المالية 2021.
على مدى عشرات السنوات الماضية، اشتدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. منذ عام 1979، فرضت الولايات المتحدة مختلف العقوبات أحادية الجانب على إيران، ممَّا منع إيران من استيراد الأدوية الأساسية واللقاحات والمعدات الطبية أثناء فترة تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.
بعد حرب الخليج، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أحادية الجانب على العراق، مما ضاعف معدل وفيات الرضع في العراق. إن ما قامت به الولايات المتحدة حول عملية الإنقاذ في الزلزال السوري يكشف مرة أخرى طبيعتها للهيمنة.
إنّ إساءة استخدام “الاختصاص الطويل الذراع” وفرض العقوبات بشكل تعسفي على دول أخرى بذريعة حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية وإجبار دول أخرى على الرضوخ لإرادة الولايات المتحدة، هدفها الأول والأخير هو الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في العالم.
من يفرض العقوبات ويطبق “المعايير المزدوجة” سيتضرر لآثارها في نهاية المطاف. ينبغي للولايات المتحدة كدولة كبيرة التصرف كدولة كبيرة، والتخلي عن حساباتها الجيوسياسية، والتوقف عن عروضها السياسية لما يسمى بـ”التخفيف المؤقت”، ورفع جميع العقوبات غير الشرعية والأحادية الجانب على سوريا بشكل فوري، والتوقف عن صنع كارثة إنسانية، والعمل مع المجتمع الدولي لتمكين المنكوبين من رؤية نور الأمل في يوم مبكر.