الدكتور جواد العناني
جوردن ديلي – ما شاء الله على هذا البلد، الوطن، التراب، والتراث، المَلِكُ والمُلْك، الخُلُق والخَلْق، وهو البَلَدُ الذي يُقْسَمُ باسمه، ويُتْنَفَسُ بسيرته، ويُتَعلَّمُ من إنجازاته.
نرتكب أخطاء ونصوب، ونجتهد ونُعيد التقييم، ونأسى لبعضنا البعض.
كثيرون يشيرون إلينا أننا الفقراء بالموارد، الصابرون على الأذى، القابضون على الجمر، أصحاب النخوة ومقدمو الملاذ والأمن لمن استجار بنا. لنا أخطاؤنا، ولنا هفواتنا وزلاتنا، ولكن لنا سعة صدرنا وحلمنا، ولنا تسامحنا وعفونا، ولنا إنجازاتنا التي نُضاهي بها الدنيا، ومن منا لم يذق طعم التشرد فهو محظوظ، ومن لَمْ يعرف الفقر المدقع فلأن في البلد قلوباً وضمائر حية .. آخرون أكثر منا غنى، وثروة، ودخلاً ولا يحيون في نِعم الله وآلائه التي نحياها.
لقد نسي كثيرون منا نعمة ما نحن فيه. ولما عانى البلد انقض بعضهم عليه إما لخوف حقيقي او لطمع في منصب، او لتنفيس غلة في الصدر، او حرداً على منصب ضاع، أو لأنه لا يملك من المعرفة إلا انصاف الحقائق، فصار يطرب لكل نقد جارح، ويستمع لكل حاقد ومضلل، ويضرب معوله في جسد الأردن المضنى دون ان يدرك بجهالة مدى الأذى الذي يلحقه.
ونحن جمهرة القُراء والمتفرجون نمد الحبل لهؤلاء، لكي يمارسوا التنفيس الجماعي علينا، ونشتري كلماتهم المزوقة بالمنطق المتناقض ونسمي بعضهم اذكياء الله على الأرض. ولكن الحقيقة أن الناس أغنياء. هل تعرفون أي مجتمع في العالم تستطيع الاسرة ان تعلم أبنائها في الجامعات؟ وأي مجتمع يدخن افراده سجائر اكثر منا؟ ومن هي المجتمعات التي يمتلك 95% من سكانها منزلهم الخاص، وسيارتهم، وهواتفهم النقالة؟ يجب أن نقول الشكر لله والحمد، وندعو بأن يرفع الله عنّا الغُمَّة وَهَمّ الدَّيْن. هنالك الكثير الذي نشكر الله عليه لو شئنا أن نبني البلد لا أن نخذله في ساعات الحاجة إلى إيجابيتنا. لم يبقَ متربص إلاّ وأغرز إبرته بسمومها في جسم هذا البلد، كفى ولنتقِ الله في أنفسنا.
وفي كل مرة يقوم قرصان معلومات بكشف معلومات سرية، يصيبنا منها بلل. وكل مرة نكشف حسابات لأردنيين خارج الأردن يتسارع المشككون بإبراز الأسماء الساطعة في بلدنا بأن لهؤلاء حسابات خارج الأردن. ويقارنون ما جرى مع بعض ساسة الدول الأخرى لما اكتشفت هذه الحسابات، فيسرع الأردني الناقد إلى المقارنة، على أساس أن الاسم الأردني والسياسي الأجنبي مخالفان للقانون. هذا كلام ليس صحيحاً ولا دقيقاً.
وفي المرتين الأخيرتين، سلط الضوء على جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله، وعدد من النافذين أن لهم اما ملكيات عقارية خارج الأردن، أو حسابات مصرفية. دعونا قبل ان نقفز الى النتائج نقرر بعض الحقائق الأساسية.
أولاً: أن الأسرة الهاشمية في الأردن تملك أموالاً وعقارات وأحياناً استثمارات خارج الأردن، وما ينطبق عليهم، ينطبق على كثير من الأردنيين. ولكن الأسرة الهاشمية هي من أقدم الأسر الحاكمة في العالم، ولهم ملكيات وأوقاف خاصة بهم في مناطق كثيرة منه.
وقد تمت تسوية بعض هذه الملكيات بمبالغ كبيرة، خاصة تلك التي كانت بحوزتهم في الحجاز بعد حكم لهم فيها فاق سبعة قرون، وقد تم تسييل بعض هذه الموجودات بالاتفاق مع المسؤولين في تلك الدول. وهذا كله ارث لهم عن أجدادهم، ولم يتأتَّ بين عشية وضحاها، وبعض هذه الممتلكات تقدر قيمتها بمبالغ كبيرة.
أما الأمر الثاني، فهي أن الأردن بلد يتمتع باقتصاد مفتوح، وهو يقوم دائماً على حرية تصدير المال واستيراده. والأردن يفخر بهذا الأمر الذي ينسجم كلية مع طبيعة اقتصاده. وأكثر من (85%) من المعاملات المالية التي يدخل فيها أردنيون كل سنة تنجز مع مواطنين في دول أخرى، فنحن لنا أكثر من (600) ألف شخص يعملون في الخارج، ونستورد 80% من حاجاتنا، ولنا استثمارات في الخارج، وللمواطنين الأجانب والعرب استثمارات عندنا، ولذلك فانه لا يوجد في أي قانون في الأردن ما يمنع على الاطلاق فتح حسابات خارج الأردن، أو شراء أسهم أو سندات أو ممتلكات خارجه. او فتح حسابات لأي أردني خارج الأردن طالما أن ذلك ينسجم مع قوانين تلك الدول.
وما ينطبق على المواطن الأردني العادي ينطبق على الأسرة الهاشمية الكريمة. وعلى العكس فان لكل دولة نشاطات في الخارج تفتح لها حسابات لكي تخدم مصالحها في مجالات متعددة، ولها أيضاً حسابات سرية، ومعلومات تشترى، وإعلام مؤيد، وفئات ضغط تعمل لصالح الأردن في هذه الدول.
إذن فوجود حسابات للملك أو للأسرة الهاشمية خارج الأردن لا يتعارض مع القانون الأردني، ولكل مبلغ مودع في الخارج غاياته وأهدافه، ومبرراته، ولكن للدولة اسراراً لا يمكن الافصاح عنها لكل فضولي أو مناكف. ولهذا فبناء حالة من الشك حول اخلاقيات اصحاب هذه الحسابات لان الاردن يمر بعسرة مالية، او لان للبعض غاية في تعمد سوء الفهم، فهذا امر لا ينطبق على الاردن.
وسوء التصرف بالمال لا يكون بالضرورة حكراً على الخارج، بل يمكن ان يُساء التصرف بالمال داخلياً، فماذا تقول لأردنيين يتلقون الهدايا والظروف المليئة بالكاش تأتيهم من دول اخرى؟ وماذا نقول لأردنيين معارضين الآن لماذا لم يحتجوا على سوء التصرف بالمال عندما كان يحمل اليهم شخص من الديوان الملكي مُغَلَّفاً مليئاً بالأوراق النقدية لكي يسد به حاجاته؟؟.
وأنا اعرف كرم بني هاشم، واعرف كم من الأموال تصرف لأناس خدموا العرش في أماكن مختلفة، حيث لا يرد لهم طلب عندما تضيق بهم سبل العيش.
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟
يجب أن ننهي الحديث في هذه الأمور، خاصة وأن مصلحة الأردن الاقتصادية تمنع عليه ان يقنن حركة المال من الأردن واليه بأي شكل من الأشكال، والحالات القليلة التي تَدَخَّل فيها الأردن لضبط حركة المال كانت في ظروف غير عادية، وثبت بالدليل القاطع بطلانُها واذاها للاقتصاد كما حصل عام 1989.
للأردنيين بلايين الدنانير المستثمرة في حسابات خارج الأردن، أو في عقارات وأسهم، مثلما للآخرين عندنا، آلاف الطلاب يدرسون في الخارج ولهم حسابات، وعشرات الآلاف من الأردنيين يملكون عقارات في تركيا وقبرص وبريطانيا وإسبانيا؟ فهل هؤلاء مذنبون؟ على العكس الأردن يقوم في بنائه الاقتصادي على حرية الحركة ولكن لا يجوز أن نصدر احكاماً ضد زعماتنا من بني هاشم الأفاضل قبل أن نتفهم، ونحلل، ونضع الأمور في نصابها.
وبعض هؤلاء الذين يخرجون علينا بالفيديوهات الناقدة، أليس لهم أموال وعقارات واستثمارات خارج الأردن؟
اتقوا الله في بلدنا، ولا نرضى إلاّ بآل هاشم الأخيار ملوكاً وحكاماً، والسبب أننا نستطيع ان ننتقد ونتحدث ونتطاول ونحن واثقون أن عدلهم سيشملنا. فلنتق الله فيهم وفي أنفسنا.