“المركزي” يكسب الرهان
سلامة الدرعاوي
جوردن ديلي – كل مرة يتعرض فيها الاقتصاد الوطني لصعوبات وتقلبات اقتصادية غير متوقعة نجد أن السياسة النقدية، والتي يُديرها البنك المركزي، تكسب الرهان وتقود الاقتصاد بحصافة إلى بر الأمان.
لعل المُتتبع لأبرز المحطات التي تعرض لها الاقتصاد الوطني عبر التاريخ يتلمس ذلك بكل وضوح، ففي كل محطة من هذه المحطات تتجسد قصة نجاح جديدة تضاف إلى نجاحات البنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمصرفي رغم التحديات.
ما يزال يعلق في أذهان العديد منا كيف حافظت سياسة البنك المركزي على الاستقرار المالي والنقدي في المملكة في مرحلة بالغة التعقيد، تزامنت فيها تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية مع تداعيات الربيع العربي، من خلال ابتكار أدوات نقدية جديدة لم تكن معهودة من قبل عززت من الاستقرار النقدي والمالي في المملكة.
خلال جائحة كورونا، رأينا أيضاً كيف أسهمت تدخلات البنك المركزي التوسعية، والتي بلغت 2.7 مليار دينار، أو ما نسبته 8.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، في تجنيب الاقتصاد ما هو أصعب من تداعيات هذه الأزمة، وأمنت الطريق نحو التعافي الاقتصادي بكل يسر ومرونة.
اليوم، يواجه الاقتصاد الوطني، كغيره من الاقتصادات العالمية، ضغوطات تضخمية دفعت البنوك المركزية لتشديد سياساتها النقدية. وهنا علينا أن نعلم أن دوافع البنك المركزي الأردني لرفع أسعار الفائدة تهدف إلى الاستمرار في المحافظة على هدفه الرئيس المُتمثل في الاستقرار النقدي والمالي في المملكة، والذي يُشكل الأساس لدعم مسيرة الاقتصاد الوطني نحو تحفيز النمو والتنمية على أسس شاملة ومستدامة.
بالرغم من ذلك، نجح البنك المركزي في تحقيق المعادلة الصعبة بالموازنة ما بين رفع أسعار الفائدة من جهة، والاستمرار في تحفيز النمو الاقتصادي من جهة أخرى، من خلال الاجراءات التي تم اتخاذها على هامش قرارات رفع أسعار الفائدة الأخيرة، كالإبقاء على برنامجي الإقراض المُيسر، ومواصلة تثبيت أسعار الفوائد التفضيلية ضمنها، وتثبيت قيمة القسط الشهري لقروض الأفراد، فضلاً عن تأجيل أقساط القروض لشهري نيسان وحزيران من العام الحالي.
الثقة في النظام المالي الأردني اليوم تزداد قوة، إذ تُسجل الاحتياطيات الأجنبية مستويات تُعادل ثلاثة أمثال الحد الآمن المُتعارف عليه دولياً، والبالغ 3 أشهر من المستوردات من السلع والخدمات. كما تتمتع البنوك في الأردن بمستويات مرتفعة من الرسملة والسيولة وجودة الأصول، وبما يعكس سلامة ومتانة هذا القطاع والثقة فيه، حيث بلغ رصيد الودائع في البنوك 40.5 مليار دينار في أيّار 2022، منها حوالي 80 % بالدينار الأردني. كما بلغ إجمالي الائتمان الممنوح من البنوك 31.5 مليار دينار، شكّل منها الائتمان الممنوح للقطاع الخاص حوالي 90 %.
السياسة النقدية للبنك المركزي اثبتت نجاعتها في المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي، وعلى جاذبية الدينار كوعاء موثوق للمدخرات.
هذه السياسة حازت على ثناء العديد من المؤسسات الدولية، والتي تُعطي انطباعاتها وتقييمها بكل حيادية وموضوعية، وكان آخر ذلك تقرير مشاورات المادة الرابعة 2022 لصندوق النقد الدولي، الذي أشاد بالإجراءات التي يتخذها البنك المركزي الأردني في سبيل تعزيز السياسة النقدية في الأردن لتكون دعامة أساسية للاقتصاد الأردني، وأكد على نجاح هذه السياسات في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في المملكة، وعلى سلامة القطاع المصرفي. وهذا ما يجعل الثقة تزداد بسياسات البنك المركزي والمُطالب اليوم بالاستمرار في هذا النهج في إدارة وتنويع أدوات سياسته النقدية بفعالية واحترافية عالية.