كتب الخبير المالي:محمد عبدالله
– البنوك رفعت الفوائد والأقساط على المقترضين واخترعت دفعة آخر المدة.
-علم المصارف مبني على عدة أركان متنوعة وليس من السهل اعادة ابتكارها على يد تنفيذي في بنك لا يدرك أبعاد آثارها الاقتصادية.
-ما تفعله البنوك الأردنية في غياب سلطة حقيقية من البنك المركزي لتوجيهها ينبئ بكارثة اقتصادية متوسطة الأجل في مدى سنتين ، ويعني الانتحار المهني بالمعنى الحرفي للبنوك.
-للبنك المركزي دور حاسم في منع البنوك من رفع الفوائد على القروض المتعاقد عليها سابقا ، وتوجيهها نحو الحد من هيكل مصروفاتها المتضخم الى حد بعيد.
جوردن ديلي – قد تبدو العناوين مرعبة ومزعجة في آن واحد لكل من يطلع عليها ولكنها في الواقع حقيقة بدأت تظهر للعيان مع اتخاذ البنك المركزي موقف “المتفرج” مما تفعله البنوك أو تنوي القيام به تجاه عملائها المقترضين سواء الأفراد أو المؤسسات.
سأبدأ بعرض رسالتين نصيتين وصلتا مؤخرا من البنك المقرض الى أحد عملائه الأفراد :
الأولى تقول نصا وحرفا : تم تعديل الفائدة على حساب القرض “”رقم الحساب”” إلى 9.249 بدلا من 8.728 اعتبارا من 19/02/2023 ليصبح قسطك 417.525 بدلا من 417.525
والثانية تقول نصا وحرفا : عميلنا الكريم، تم تعديل سعر فائدة قرضكم قروض اسكان العملاء لتصبح 9.249 بدلا من 8.728 علماً بأن قيمة قسطكم ستبقى كما هي و سيتم ترحيل المبلغ المترتب عن زيادة الفائدة الى نهاية عمر القرض لتصبح الدفعة النهائية 19142.379 و في حال رغبتكم بعدم ترحيل قيمة الزياده لنهاية عمر القرض، يرجى مراجعة أقرب فروعنا ليتم توزيعها على قسطكم الشهري
لتفسير ما تحويه الرسالتين فان المحتوي في كليهما كذب وتدليس على العميل يمارسه بنك “محترم” يخضع لرقابة البنك المركزي “الملتزم” بحماية الاقتصاد ، فالرسالة الأولى تقول انه تم تعديل الفائدة من 8.728 وهي فائدة بالاساس لم تكن الا 6% كما هي كل قروض الاسكان الممنوحة للعملاء الأفراد وقام البنك خلال الفترة الماضية برفعها دون ابلاغ العميل من 6% الى 8.728% ليرتفع قسط العميل من مستوى 370 دينار الى مستوى 417.525 كما اشارت الرسالة الثانية علما أن رصيد القرض الحالي هو 43 ألف دينار والمدة الزمنية المتبقية هي 12 عاما فقط وفق سعر الفائدة المتفق عليه 6% .
أي بقسط 370 دينار شهريا يدفع العميل 4440 سنويا منها 2520 دينار فوائد ويسدد الى اصل القرض 1920 دينار تبدأ مع مرور السنوات بالتزايد في السداد والتناقص في الفوائد الى مستوى التسديد الكامل، قام البنك من تلقاء ذاته برفع القسط شهرا بعد شهر منذ بدء رفع الفائدة الأميركية على حساب العميل دون الرجوع اليه حتى وصل الى سعر فائدة 8.728% حيث قام بتثبيت قسطه على هذا السعر للفائدة وابلاغه به ومن ثم رفع النسبة الى مستوى جديد عند 9.249% وهنا قرر أيضا من اجتهاده الكريم أن يثبت قسط العميل ويرحل كافة الفوائد المحتسبة ارتفاعا على نهاية قرض العميل بدفعة نهائية لم تكن موجودة أصلا تعادل ما يقارب نصف قيمة القرض الممنوح للعميل.
الى هنا انتهى مضمون الرسالتين النصيتين للبنك وتفسيرهما بالارقام التي تخص العميل بحد ذاته والذي لن يفكر يوما بالولاء لهذا البنك وسيعمل كل جهده على انهاء العلاقة الاقتراضية معه في أقرب فرصة ممكنة حتى لو كان ذلك بالتخلص من الأصل العقاري الذي يربطه بالقرض والبنك , لكن لننظر الى الاثر على الاقتصاد ككل ثم نعود الى الاثر على البنك ذاته والقطاع المصرفي في النهاية.
ما يحدث هنا ببساطة أن سوق العقار سيشهد جمودا في كل من الاحجام والأسعار نظرا لعدم اقدام الغالبية العظمى على الاقتراض للسكن ، ما تلبث أن تتحرك باتجاه بقاء جمود الأحجام مع ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم الحتمي الفعال في الاقتصاد وبنسبة تربو على 30% وهو الوقت الذي سيندفع فيه معظم عملاء الاقتراض الى تسييل عقاراتهم وتسديد قروضهم للبنوك التي لم تفكر بعواقب غير مدروسة لتجد نفسها غير قادرة على تشغيل ودائع عملائها وموجوداتها يضاف الى ذلك تعثر نسبة كبيرة من هذه القروض لترمى في النهاية في حضن هذه البنوك.
ان ما يحدث في الاقراض العقاري من المؤكد انه يشمل كافة أنواع الاقراض الأخرى للأفراد مما يعني ذات الانعكاس على كل القطاعات التي تمولها قروض الأفراد ومنها السلع والسيارات والآليات وغيرها ، وبالنتيجة التأثير سلبا وبدرجات متفاوتة من قطاع لآخر على كل مكونات القطاع والذي يتراوح حجمه الحالي ما يفوق 12 مليار دينار يرتبط بها اكثر من 1.25 مليون مواطن يمثلون اكثر من نصف عدد المواطنين كعائلات .
ان النتيجة الحتمية لما تقوم به البنوك حاليا هو الانتحار البطئ المبرمج ، فالنتيجة الحتمية لما يحدث هو انهيارات متتالية في السلسلة الاقتصادية بانهيار مكوناتها واحدة تلو الاخرى ، وذلك يمكن تفاديه عمليا بقيام البنك المركزي وبقرار استراتيجي بممارسة دور حاسم تجاه البنوك العاملة بمنعها بالكامل من رفع أي سعر فائدة متعاقد عليه سابقا ، وحثها على تجاوز مراحل رفع الفوائد الحالية عبر تخفيض هيكل نفقاتها “المتضخم جدا” ، واعادة هيكلة أصولها ومصادر أموالها بحيث تحافظ على ربحيتها دون المساس بالاقتصاد.