ترسيم الخرائط بين الإيرانيين والأميركيين
ماهر أبو طير
جوردن ديلي – تبرق إيران برقياتها، الواحدة تلو الثانية إلى واشنطن، وهي لا تتوقف، وقد لا تتوقف، إذا لم تخضع واشنطن لما يريده الإيرانيون، خصوصا، مع احتمال حدوث اختراق سياسي قريب.
القوات الأميركية تتلقى ضربة في مدينة أربيل وضواحيها شمال العراق، بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد، عبر هجوم صاروخي، في السادس عشر من شباط، على قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة، بما أدى إلى مقتل متعاقد مدني وإصابة جندي ، فترد الولايات المتحدة بتوجيه ضربة إلى مليشيات إيرانية على الحدود العراقية السورية، ثم تنهمر أمس عشرة صواريخ على قاعدة عين الأسد الجوية العراقية التي تستضيف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وهكذا يتبادل الطرفان الضربات، لكنهما يلعبان في بلد عربي.
الساحة عربية، وقد تتواصل هذه الضربات المتبادلة، تارة في العراق، وتارة في سورية، وتارة في اليمن، وصولا إلى لبنان، ربما، وغيرها من دول، فيما يلعب الروس أيضا ضد الأميركيين عبر الساحة السورية، لاعتبارات كثيرة.
هكذا، كل طرف يرسل صواريخه إلى الطرف الآخر، لكن الكل يلعب في العالم العربي، الذي بات ملعبا بكل ما تعنيه الكلمة، بل إن كل التحليلات تؤكد أن حدة الصراع سوف تزداد، وأن الاستقطاب سوف يتعمق، وأن الكلف سوف تتنزل على كل المنطقة العربية.
هذا التغير ليس جديدا، إذ إن الدول الكبرى، والإقليمية، لها مراكز نفوذ في كل المنطقة، وبالتالي أصبحت المنطقة ساحة صراع علنية لكل الأجندات، وقد رأينا وتفرجنا بكل صبر وهدوء، على تسلل كل هذه القوى الدولية والإقليمية إلى المنطقة، دون أن تجد عرقلة.
بما أن هذه الساحات عربية، فإن القراءة المؤكدة هنا، تشير إلى أمرين، أولهما أن استمرار المكاسرة الأميركية الإيرانية ستكون على حساب هذه الدول العربية وشعوبها، بكل ما تعنيه الكلمة، سواء عبر تصدير الإرهاب من جديد ضد المحور الإيراني، أو سقوط بعض الدول تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، كما في لبنان، أو التلويح بسيناريوهات التقسيم كما في سورية، أو حتى مواصلة الحرب بكل الأشكال والأنماط، فيما ثاني الأمرين، أن هذه المكاسرة سوف تؤدي إلى تفاهم أميركي إيراني نهاية المطاف، كون هذه المكاسرة، قد لا تكون مضمونة النتائج، وقد تؤدي الى تفاهمات سرية تتحول إلى علنية، ظاهرها الاتفاق النووي الإيراني، وباطنها تقاسم المنطقة، وثرواتها، وتوزيع النفوذ السياسي والجغرافي، على أساس خريطة جديدة، يتم فيها التنازل من كل الأطراف، على حساب المنطقة وأمنها.
هذا يعني أن العرب سيخسرون في كل الأحوال، في حال تواصلت الحروب في الدول العربية، التي تحولت إلى ساحات لهذا الصراع، أو في حال الوصول إلى صفقات وتسويات.
كيف يمكن أن تنجو المنطقة العربية من هذه الحالة، حين تتحول إلى حلبة للصراعات الإقليمية والدولية، والسؤال هنا، تردد آلاف المرات، لكن على ما يبدو أن الإجابة غير متوفرة، فنحن لا نتحدث عن أمة عربية واحدة، سوف تتقاسم الأرباح والخسائر بذات النسبة، بل إننا نتحدث عن تضاد عربي واضح، وليس أدل على ذلك أن حسابات كل بلد، تختلف عن الآخر، بعد انتهاء مفهوم الأمن القومي، وتعريفات العدو، نحو الانقسام العام، بما يعنيه ذلك.
ما يمكن قوله هنا، إن هذا التصعيد الأميركي الإيراني، لن يبقى ضمن هذه الحدود، فهذه اللكمات المتبادلة، تريد أن تقول شيئا، يريد الأميركيون أن يقولوا إن لديهم أهدافا جاهزة في كل مكان، وان إيران ومصالحها تحت مرمى النيران، فيما يريد الإيرانيون أيضا أن يقولوا للولايات المتحدة، إن يدهم طويلة، وتصل إلى القواعد الأميركية، والى مصالح أميركا في كل مكان، بما في ذلك إسرائيل، وهي ليست خارج الصراع في كل الأحوال.
ثم ماذا لو قرر الطرفان التفاهم، مع بعض تنازلات لكل طرف، تجنبا لكلفة أكبر، إذ علينا لحظتها أن نسأل عن شكل الخرائط، وترسيمها، وأنماط النفوذ فيها، ومن الخاسر والرابح؟
الغد