uncategorized

جريمة الدوحة… وسقوط السقف الأخير

كتب : نضال الزبيدي


جوردن ديلي – منذ أن أُطلقت أول قذيفة في حرب الإبادة على غزة قبل أكثر من سبعمئة يوم، والعالم يتنقل بين مشاهد الدم والركام، يظن في كل مرة أن السقف قد بلغ مداه، وأن آلة الحرب لن تجرؤ على اختراق عتبة جديدة، لكن ما جرى في الدوحة الثلاثاء حمل دلالة مختلفة: لقد سقط آخر السقوف.

الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية لم يكن عملاً عسكرياً عابراً. إنه، بالمعنى الأوضح، كسر للعرف الدولي والإقليمي معاً. لم يعد الأمر مقتصراً على غزة الممزقة أو جنوب لبنان المهدَّد أو سوريا المستباحة، المسألة اليوم أن إسرائيل وضعت عاصمة عربية، أمام امتحان غير مسبوق: هل ما زال هناك معنى لسيادة الدول؟

الردود الأولى كانت صاخبة، أمير قطر تلقى اتصالات من قادة دول عربية ودولية ، منددين ومتضامنين، لكن السؤال الحقيقي ليس في الإدانة، بل في ما بعدها. فإسرائيل لا تعتذر، ولا تتراجع، ولا تخشى إلا ما يُفرض عليها بالقوة أو بالعزلة.

المفارقة أن الهجوم جاء في لحظة مفاوضات، حيث كان وفد حماس يناقش مقترحاً أميركياً لوقف اطلاق النار، أي إن إسرائيل لم تستهدف قادة الحركة فقط، بل استهدفت فكرة التفاوض ذاتها وأرادت القول إن لا سلام، ولا هدنة، ولا حتى وساطة، وحدها القوة، هي لغة الخطاب.

نتنياهو يعرف جيداً أنه لا يملك مشروع سلام ولا خطة حرب ، ما يملكه هو الحاجة إلى البقاء في الحكم. ان كل صاروخ يسقط على غزة، وكل غارة على بيروت أو دمشق، وكل مغامرة في الدوحة، ليست سوى فرصة جديدة ليهرب من المحاكم التي تطارده بتهم الفساد.

أما العرب، فهم اليوم أمام مشهد أكثر خطورة، فالدوحة ليست مدينة حدودية، ولا ساحة نزاع رمادية، إنها عاصمة دولة خليجية ذات سيادة، عضو في الأمم المتحدة، ومقر للوساطة ، وإذا أمكن لإسرائيل أن تضرب فيها ثم تمضي، فما الذي يمنعها غداً من أن تجرب في الرياض أو الكويت أو القاهرة؟

الحدث لم يترك مفرّاً لقطر سوى إعلان تعليق الوساطة، وهذا تطوّر مفصلي: حين تغادر الدوحة مقعد الوسيط، ينكشف المسار التفاوضي كله، ويصبح الباب مفتوحاً أمام مغامرات عسكرية بلا كوابح.

إن ما جرى في الدوحة ليس مجرد حلقة جديدة في سلسلة الحرب، بل هو إعلان مرحلة مختلفة: مرحلة سقوط السقف الأخير. والسؤال الآن، وهو السؤال الأثقل، كيف ستردّ المنطقة على اختبار وجودي كهذا؟

إن ما حصل في قطر ليس شأناً قطرياً فحسب، بل امتحان للعرب جميعاً ، مفاده : هل ما زالوا دولاً ذات سيادة، أم أنهم مجرد جغرافيا تنتظر الغارة التالية؟

Back to top button