uncategorized

دائرة الغضب الدائم: إسرائيل والأمم المتحدة

كتب : نضال الزبيدي


جوردن ديلي – في السياسة الدولية، هناك دائمًا من يعيش في قلب العاصفة، وهناك من يختلق العاصفة حول نفسه. إسرائيل، على ما يبدو، اختارت العاصفة دائمًا. كل تقرير أممي، كل توصية، كل كلمة مكتوبة عن حقوق الإنسان، تتحول فورًا إلى مادة إعلامية ساخنة، وكأن الأمم المتحدة ليست منظمة دولية، بل خصمًا شخصيًا يجب مواجهته بالصراخ والهجوم الإعلامي.

وسائل الإعلام الإسرائيلية، بخبرة طويلة في تحويل كل تقرير إلى هجوم شخصي، تتعامل مع الأمم المتحدة وكأنها مدرسة ابتدائية، وأمينها العام مدرس لا يعرف كيف يُنقذ سمعة الطلاب. تقارير عن الاستيطان؟ انتقاد للاستعمال المفرط للقوة؟ دعوات لحماية المدنيين؟ كلها تُعرض كأدلة على انحياز دائم، وكأن المعايير الدولية نفسها هي مؤامرة شخصية ضد الدولة العبرية.

الأمم المتحدة، من جهتها، تمضي في طريقها الهادئ، لطريقة ليست صاخبة، ولا تبحث عن الشهرة، لكنها تكتب وتقيم وتقيس، وتكرر المعايير القانونية، وكأنها تقول: “نحن نقرأ الحقائق، وأنتم تصرخون بها.” هذه المراوحة ما بين الصراخ والهدوء الدبلوماسي، بين الهجوم الإعلامي والرد ، مستمرة منذ عقود، وكأننا نشاهد مباراة شطرنج لا تنتهي، حيث كل حركة محسوبة، وكل نقاش محسوب، لكن الجوهر الإنساني غالبًا ما يختفي بين الحروف.

المفارقة الأكثر اثارة ومرارة في الوقت ذاته هي أن هذه المعارك الإعلامية، مهما كانت ضخمة وصاخبة، لا تغير الواقع على الأرض. المدنيون الفلسطينيون يواصلون حياتهم اليومية وسط ظروف صعبة، بينما كلّ من الإعلام والدبلوماسية منشغل بتسجيل النقاط والصراخ في القاعات والمقالات. إسرائيل تصرخ، الأمم المتحدة تكتب، والجمهور يراقب من بعيد، غير قادر على التمييز بين الضجيج والحقيقة.

وهنا يأتي السؤال الأكثر إيلامًا: هل هذه الهجمات الإعلامية ضد الأمم المتحدة هي دفاع عن الدولة، أم دفاع عن النفس من أي مساءلة دولية؟ لأن كلما ارتفع صوت الانتقاد، ارتفعت حرارة الرد الإسرائيلي، وكأن الأمم المتحدة ليست سوى ملعب للأطفال يتبارون فيه على من سيصرخ أكثر.

في النهاية، تبقى الأمم المتحدة، بصمتها الدبلوماسي وحيادها المكتوب، رمزًا لما يمكن أن تكون عليه السياسة: لا صراخ فيها، ولا استفزازات شخصية، مجرد وقائع، أرقام، تقارير، وحقائق. ربما يكمن جمالها، أو تعقيدها، في أنها لا تتورط في الغضب العاجل، وأنها تظل تقول لكل من يصرخ: “اقرأوا، فكروا، ثم حكموا”.

ولكن إذا كان هناك درس يجب أن نتعلمه، فهو أن الحقيقة لا تُصنع بالصراخ، وأن الهجمات الإعلامية، مهما كانت لاذعة، لا تستطيع أن تلغي الواقع، ولا تحمي أحدًا من مساءلة الزمن. في هذه الرقصة الدائمة بين إسرائيل والأمم المتحدة، يبقى السؤال: من يراقب من؟ ومن يقرأ من؟ ومن يكتب التاريخ الحقيقي وسط كل هذا الضجيج؟

Back to top button