“رسالة من لندن”..مجموعة قصصية جديدة للقاص أسعد العزّوني
جوردن ديلي– صدرت عن دار “مرسال الحديثة /ناشرون وموزعون”في عمّان ،مجموعة قصصية قصيرة للقاص أسعد العزّوني بعنوان”رسالة من لندن”،وتضم عشر قصص واقعية كان هو بطلها،الأمر الذي جعل روايتها متماسكة وهادفة وواضحة المعالم،وأبرزها :”رسالة من لندن،أبي يتبرأ مني،التطبيع في مصنع الكرتون،رشيد النمر، ومريم”،وتقع المجموعة في 140 صفحة من القطع المتوسط،ورغم أن عنوان المجموعة هو “رسالة من لندن”،إلا أن العزّوني أرسل مقابلها مئات الرسائل في قصصه الواقعية ذات المغزى العميق .
تمتاز قصص العزّوني بواقعيتها وبعدها عن الخيال،ومع ذلك يجد القاريء فيها ما يشده لقراءة المحتوى كاملا،ويخرج منها بعبر ودروس،فلو أخذنا على سبيل المثال القصة الأولى التي تحمل نفس عنوان المجموعة”رسالة من لندن”،فإننا سنجد فيها مخزونا سياسيا وفكريا ،وربما ساعد القدر والظروف القاص العزّوني في كتابة هذه القصة ،التي تصلح كما بقية القصص أن تكون عملا فنيا هادفا ،يندرج ضمن ملف القضية الفلسطينية،ونجح الزميل العزّوني في هذه القصة بدمج الذكريات مع الواقع المعاش والهدف المتمثل في إخراج الصهاينة من فلسطين بكل الطرق الممكنة،وربما خدمته الظروف والصدفة في تحقيق هدفه،إذ توجه في أحد الأيام بعد عودته من الجامعة في العراق لزيارة أهله في مسقط رأسه عزّون،إلى زيارة صديقه وزميله الأستاذ محمد أبو مريم في قلقيلية صيف العام 1974.
رغم أن المسافة بين عزّون وقلقيلية تبلغ تسع كيلومترات فقط ،إلا أن العزّوني أوصل لنا ألف رسالة ورسالة من خلال سرده الواقعي،ورغم أن الزيارة لم تكن مرتبة بوقتها الحالي،إلا أنها جاءت مكتملة الأركان من حيث عناصر القضة:أصحاب أرض،مهاجرون جدد،حوار هادف،مقلوبة فلسطينية ،وعي لدى الطرفين ،وإصرار من قبل صاحب الحق وواقعية لدى الطرف الآخر بعد تشنج لا مثيل له.
أثناء زيارة العزّوني إلى بيت صديقه محمد أبو مريم في قلقيلية جمعته الصدفة بعائلة يهودية مهاجرة حديثا من بريطانيا، ودار نقاش سياسي حاد بينه وبين رب الأسرة د.إسحق الذي تقمص شخصية جابوتنسكي في البداية،وتمسك بالحق اليهودي في فلسطين،ولكن العزّوني الذي غادر السياسة إلى الإنسانية في تلك الجلسة،تمكن من إقناع د.إسحق بأنه أخطأ في الهجرة إلى فلسطين ،وأن أطفاله معرضون للموت ولو برصاص طائش في حال بقوا في فلسطين ،ليفاجأ العزوني يوم 10 أيلول 1974 برسالة تصله عبر بريد الجامعة في بغداد من لندن بتوقيع د.إسحق يخبره فيها أنه عاد وعائلته إلى بلدهم الأم بريطانيا وإنهم سوف لن يعودوا إلى “إسرائيل” مطلقا،وكان قد طلب العنوان من العزّوني إثر إنتهاء النقاش.
بعد ذلك وفي قصته الثانية يبقينا العزّوني في إطار الأرض ولكن بأسلوب إنساني حاد،إذ يسرد ما حصل مع والده الراحل إبان طلب الحاكم العسكري الإسرائيلي”دوف” منه الموافقة على بيع أو تأجير قطعة أرض في عزّون تطل على البحر المتوسط ،مقابل مبلغ فلكي،وبعد رفضه ،تعهد الحاكم العسكري “دوف” بالسماح لإبنه أسعد بالعودة ،مع ضمان عدم مساءلته من قبل سلطات الإحتلال،لكن والده تبرأ منه وأنكره وقال للحاكم العسكري أنه يتبرأ من ولده في حال كانت الأرض هي ثمن العودة.
يواصل العزّوني طرق الخزّان ونبش ذاكرة المخزون الوطني لديه من خلال سرده الواقعي الهادف في قصصة الأخرى،ويعرض في قصته الثالثة بعنوان”صراع في غرفة التحقيق”،ما جرى بينها وبين ضابط الإستخبارات الإسرائيلي في مخفر قلقيلية صيف العام 1974،وكيف أن ذلك الضابط فشل في إنتزاع أي معلومة منه أو كسبه عميلا للموساد في العراق رغم الإغراءات والتهديدات التي كان أكثرها غرابة إحضار عبدين أسودين لممارسة اللواط معه.
أما في قصته الرابعة وعنوانها “الفلسطيني موشيه هيرش”فيستعرض العزّوني المعارضة اليهودية ،المتمثلة في طائفة ناطوري كارتا المناهضة لإسرائيل والصهيونية ،من خلال توظيف لقاء صحفي جمعه بالحاخام الراحل موشيه هيرش مؤتمر بعمّان نظمه الدكتورأيمن خليل محمود مدير مركز الأمن افنساني التابع لجامعة الدول العربية في عمّان، وأكد له فلسطينيته ورفضه لإسرائيل والصهيونية،بينما يفتح ملف التطبيع الإقتصادي في قصته الخامسة بعنوان”التطبيع في مصنع الكرتون”،ويبين كيف يقوم الصهاينة بتزوير بلد المنشأ على عبوات الكرتون التي تحوي البضائع الإسرائيلية ،من خلال كتابة ” Made In U. K” على سبيل المثال عليها ،وتصديرها إلى الدول العربية على أساس أنها منتجات أوروبية أو أمريكية أو غير ذلك.
في قصته السابعة يفتح العزوني ملف الإرهاب الداخلي الذي يقوده ضباط الإستخبارات الإسرائيلية ،وفي مقدمتهم الإرهابي” ميخا” الذي كان مجرد ذكر إسمه يدخل الرعب في قلوب الشباب الفلسطيني،وقد تسبب في كسر ظهر صديقه الراحل رشيد النمر،كما ويروي العزّوني محاولة ميخا للنيل منه شخصيا في أحد الأيام ،لكن تدخل أحد الأشخاص الذين يرتبطون بالضابط ميخا بعلاقة خاصة ،حال دون إلحاق الأذى به.
في قصته الثامنة بعنوان”جلسة بكاء توراتية”،يدخل القاص العزوني في باب الحتمية التاريخية وإيمان اليهود بزوالهم القريب إن عاجلا أو آجلا،كما يقول حاخاماتهم،من خلال عرض نقاش بين حاخامين بحضوره وتدخله شخصيا في النقاش،في حين يلج العزّوني بابا آخر في قصته بعنوان “مريم”،تلك الفتاة اليهودية الجميلة التي شاركها العزّوني في مقعد الحافلة كونه كان آخر راكب من تل أبيب إلى قلقيلية،ويسرد العزوني بأسلوب شيق كيف نجح من خلال الحوار الهادف معها في تغيير موقفها ،الرافض له كعربي إلى دعوته لبيتها كي تمتعه ،لكنه رفض مبررا ذلك بأن عائلته ستقلق عليه.
يعود العزوني في قصته التاسعة بعنوان”موشيه العراقي”إلى الصراع على الأرض من خلال سرده حوارا جرى بينه وبين العراقي اليهودي موشيه في منطقة ملبس،حيث عمل العزّوني عنده يوما واحدا لتنظيف الأرض من الشوك،وأظهر موشيه صهيونية راسخة ،لكن العزوني أجبره في نهاية المطاب بالحوار الهادف إلى تغيير موقفه والقسم برب إسرائيل أنهم أي اليهود يؤمنون بأن لا علاقة لهم من قريب او بعيد بفلسطين ،لكنهم فيها وإن كان طعربك زلام”فليخرجونا منها.
وفي قصته العاشرة بعنوان”مقلب مقاطعة التطبيع مع إسرائيل”،يكشف العزّوني من خلال شهادة أحد العاملين السابقين في مكتب المقاطعة العربية في ميناء دبي،الذي قال له ان مهمتهم كانت إبلاغ المسؤولين بوصول الشحنة الإسرائيلية ومحتوياتها ،وبعد نصف ساعة تصلهم سيارة تحمل ليبلات جديدة يضعونها على البضاعة الإسرائيلية لتغيير بلد المنشأ،ومن ثم يعاد تصديرها إلى الإقليم.
قصص العزّوني ليست قصّا مغلفا بالخيال،بل هي سرد واقعي يتضمن رسائل هادفة ،صيغت بأسلوب واقعي بعيدا عن التهويل والتبهيروالإثارة،ويطلق عليها بحق”السهل الممتنع”،وتستحق التوثيق فنيا من خلال تحويلها إلى أعمال فنية وثائقية.