Main Newsمجتمع

في الذكرى السنوية الاولى لرحيل الدكتور العالم والانسان فتحي عويسي

كتب نضال الزبيدي


جوردن ديلي – ليس من السهل ان تكتب عن شخص عالم مبدع وأن توفيه حقه من الاحترام والتقدير الذي يستحقه بكتابة بضعة سطور، يقف المرء عاجزاً،مكبلاً . فكيف إذا كان ذلك الانسان صديقاً عزيزاً ، صاحب علم جم وخلق رفيع وتواضع قل نظيره.

في مثل هذا اليوم ، قبل عام وصلني نبأ وفاة العالم والصديق البروفيسور فتحي عويسي ، كالصاعقة . قبلها بإيام كنت قد زرته بعد ان نقل الى المستشفى متأثرا بتداعيات فيروس كورونا اللعين . لم استطع تحمل رؤيته ممداً على فراشه لا يقوى على الحركة ولا على الكلام ، وهو الذي كان ، رحمه الله ، يملأ الدنيا نشاطاً وحيوية.

لم اكن لاتوقع ان ارى الدكتور فتحي بتلك الحالة الصعبة ،وهو الشخص الصلب ، المتقد حضوراً. دعوت الله له سراً وعلانية ان يشفيه ويعافيه وان يرجع الى سابق عهده ، نشيطاً ، معافى ، لا يقف امام همته وعزيمته شيء.الا ان ارادة الله كانت نافذة .

قبل عدة ايام تواصلت مع ابنته الدكتورة ، نادين طالباً بعض المعلومات عن سيرة والدها العطرة ، الشخصية والعلمية ، لاني وقت وفاته لم استطع حضور جنازته والمشاركة في اداء واجب العزاء ،ولم اقوى، وقتئذ كتابة كلمة ثراء توفي الرجل حقه بسبب اصابتي بالفيروس.فاستجابت مشكورة ،دون تردد وهي التي لطالما حدثني عنها  الدكتور ، وعن علمها ومسيرتها العلمية المبرزة ، حيث كانت وقتها تتقلد موقعاً اقليمياً بارزا في افضل شركات الادوية العالمية .

فالدكتور فتحي ، رحمه الله ، ولد في مدينة اللد ، سنة 1946 ، اي قبل النكبة بسنتين ،ولعل الاقدار شاءت ان تنسى العائلة ابنها خلفها ،لتعود وتأخذه معها بعد يومين وذلك خلال قيام عصابات الاجرام الصهيونية بالهجوم على المدن والقرى الفلسطينية وترويع اهلها .

بداية قاسية لطفل صغير لم يتجاوز السنتين من العمر!. بعدها،اقامت العائلة في الاردن وفي عمان تحديداً ، حيث درس الشاب فتحي مراحله الدراسية الثلاث: الابتدائية والاعدادية والثانوية ، ليحط به الرحال  بعدها في مصر حيث أراد دراسة الهندسة في العام 1965 ، وحيث نشط هناك في الحركات الطلابية ، ليتحصل على منحة دراسية الى الاتحاد السوفياتي سابقاً العام 1967.

هناك في موسكو ، تم انتخابه في العام 1969 رئيساً لإتحاد الطلبة العرب ، وهناك ايضا تم منحه وسام الصداقة الافرواسيوية ، حيث يمنح الوسام للاشخاص الذين لديهم اسهامات لتعزيز الصداقة ما بين الشعوب .

العام 1973 ، كان بداية مسيرته العملية ، حيث تخرج مهندس بتروكيماويات . عاد الى الاردن ليذهب بعدها الى العراق حيث تم تعيينه مهندساً في مصفاة البصرة في العام 1974 ، وهناك تعرف ، رحمه الله ، على زوجته وشريكة حياته ، السيدة الفاضلة مريم سمرين، أمد الله في عمرها وادام عليها نعمة الصحة والعافية.

85 دينار عراقي ، كان اول مرتب تقاضاه المهندس فتحي وبعثه لوالده . كم كان فرحاً بذلك ، ليس لأنه اول مرتب ،ولكن لأنه استطاع ان يقدم شيئاً لوالده ولعائلته .العطاء ومساعدة الاخرين كان هاجسه وديدنه، رحمه الله.

بعدها وفي العام 1975،عاد المهندس الشاب الى موسكو لإكمال دراساته العليا والحصول على درجة الدكتوراة ، واثناء ذلك اقدم على خطوة جريئة ،ذهب الى لبنان ، ليس طمعاً في منصب او مغنم ، انما دعما للمقاومة الفلسطينية ،حيث اصيب هناك إصابة بالغة ، كادت ان تؤدي الى بتر ساقه ، حيث نقل بعدها الى احدى مستشفيات موسكو للعلاج . درس في معنى التضحية بالنفس من اجل قضيتنا العادلة ، فعلاً لا قولاً.

في العام 1978 تخرج حاصلاً على درجة الدكتوراة ، ليتعين بعدها في معهد الابحاث العلمية في الكويت وليؤمن لنفسه ولعائلته دخلا ثابتاً محترماً يؤهله لأن يضم اليه جميع افراد عائلته . الا ان بدايات التسعينيات ، كان حافلاً بالاحداث حيث دخل العراق الكويت ، ما اضطره الى العودة الاردن وكان وقتها ، انهيار الاتحاد السوفياتي والانفتاح الذي شهدته دول المنظومة الشيوعية السابقة .

هذه الاحداث الحافلة ، شجعته لتأسيس مكتب خدمات جامعية لمساعدة الطلبة الاردنيين والعرب لاكمال دراساتهم في تلك البلاد ، كيف لا وهو الخبير والمختص بحياة اولئك القوم ، فضلا عن علاقاته الكبيرة والممتدة التي كونها خلال فترة دراسته في الاتحاد السوفياتي . ساعد الكثير من الطلبة في الحصول على منح دراسية مجانية بحكم علاقاته تلك . وهنالك الكثير من القصص التي تروى عن شهامة الرجل وكرمه مع الكثير من اولئك الطلبة .

 اسلط الضوء على الجانب الانساني للدكتور العالم ، دون التوسع في الحديث عن منجزاته العلمية ، لأن مقالة واحدة لا تكيفها حقها، حيث لديه العشرات من براءات الاختراع المسجلة في روسيا وامريكا واوروبا في مجال النفط والمياه والزراعة.

كان هاجسه ، رحمه الله وحتى وقت قريب من وفاته وخلال جائحة كورونا ، حيث كنا نلتقي بشكل شبه يومي ، ان يقدم الكثير للاردن ، حيث حاول ولاكثر من مرة وكنت على علم وبشكل مباشر عن محاولاته لتحلية مياه وادي عربه من خلال ادخال تقنية جديدة في المجال ، تقلل من نسبة المياه المالحة التي يتم التخلص منها ويرفع نسبة المياه العذبة.كان يقول لي دائما: الاردن لديه الكفاءات ولكن بحاجة لأناس مخلصين.

وفي بدايات جائحة كورونا ، كان اول من ادخل هو وشريكة المهندس المهذب ايمن الخطيب ، جهازاً للتعقيم ضد الفيروس ، حيث انتاجا الآف الليترات من المعقمات وارسالها  للوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية .

لم يبخل ، رحمه الله ، في مد يد العون والمساعدة لطالب حاجة، سواءاً قريب او بعيد ، طلبة او عائلات محتاجة ، يصل ذوي القربى ولا يتوانى عن تقديم المساعدة لهم.

كان دائم الحديث عن عائلته الصغيرة : داليا ، نادين وعبدالوهاب . يحمد الله انه استطاع ان يقوم بواجبه تجاهم ويقدم لهم الرعاية والتربية الصالحة النافعة لهم ولمجتمعهم ، فكانوا افضل الابناء، مميزين في حياتهم ، بارين بوالديهم .

يجد متعة كبيرة في اللعب ومداعبة احفاده . كان،رحمه الله، يعيش امتع الاوقات واسعدها بينهم. ربما انشغالاته خلال فترة شبابه لم تسعفه في قضاء وقت اكبر مع ابناءه، فعوضها مع احفاده!

تقول لي ، ابنته البارة الدكتورة نادين : كان والدي قلبه قلب طفل وعقله عقل عالم .

رحم الله الدكتور فتحي عويسي ، العالم والانسان .

Back to top button