كتب:محمد عبدالله
جوردن ديلي – لا ننفك نسمع عن تحقيق خسائر في البورصات لعدد كبير من الناس سواء كان في البورصة الأردنية أو البورصات العالمية، فمن هم اولئك الذين يخسرون وكيف يخسرون ،وأين تذهب تلك الخسائر التي تعد بمئات الملايين اذا لم تكن بمئات المليارات في الأسواق الأجنبية.
من الواضح لمن يتابع حركة الأسواق وكذلك لأولئك الذين يتعاملون في البورصات أن الخاسرين في معظمهم هم المضاربون وليس المستثمرون وأن المستثمرين في الغالب يحققون أهدافهم الاستثمارية بما يربو على 90% من الحالات فيما يفقد المضاربون رؤوس أموالهم في أكثر من 90% من الحالات، وللتمييز بين هذين الصنفين نقول أن كلاهما يشتري ويبيع في البورصة مع اختلاف الأهداف، ففي حين يستهدف المضارب تحقيق عائد مرتفع وسريع بغض النظر عن درجة المخاطرة، فان المستثمر يخطط استثماره ليأخذ بعين الاعتبار المخاطرة بالدرجة الأولى مستهدفا عائدا معقولا مقارنة بالأساسيات الاقتصادية مثل أسعار الفائدة السائدة ومعدلات التضخم والنمو.
ومن هنا فان المستثمر ينظر الى ما يسمى بالمعلومات الأساسية للتحليل Fundametals في حين ينظر المضارب الى ما يسمى بالتحليل الفني أو التقني Technical Analysis ، وبالتالي فان المستثمر ينتقل من حالة النقد الى حالة الاستثمار وفق معطيات محددة أهمها معدلات النمو الاقتصادي ومستويات التضخم والتشغيل ، ومستويات الربحية للشركات ودرجة استقرارها ونموها ومعدلات التوزيع لهذه الأرباح وذلك انطلاقا من فوائضه المالية المتوافرة، ويقوم بالانتقال من استثمار الى آخر ومن سوق الى آخر بناء على درجة الجاذبية المتوافرة وفق المعطيات أعلاه، الأمر الذي يجعله دوما في حالة مستمرة من السيولة والربحية المستندة الى المنطق ضمن حدود محسوبة من المخاطرة.
أما المضارب فانه يسعى وراء الربح السريع مهما كانت درجة المخاطرة، وفي كثير من الأحيان دون النظر الى الأساسيات Fundamentals التي سبق ذكرها وانما بمتابعة ما يسميه المضاربون التحليل الفني أو التقني Technical Analysis سواء لسهم محدد أو لسوق معين، وفي كثير من الأحيان باستخدام درجات رفع مالي على درجة عالية من الخطورة، فأين يكمن السر في الكم الهائل من الخسائر الذي يحققه المضاربون في البورصات؟
أن العامل الأول هنا هو درجة الوعي الاستثماري لدى المضارب حيث يقوم العديد من المضاربين بتداول أسهم لا تتمتع بأي مميزات أساسية فقد تكون أسهما لشركات تحقق خسائر أو أنها تحقق أرباحا ضئيلة في معظم سنواتها ولسبب أو لآخر حققت في واحدة من سنوات عمرها أرباحا مغرية مما دفع لزيادة الطلب عليها، ولا يعني ذلك أنها تحولت الى فرصة استثمارية جيدة وانما تتحول بفعل المضاربات الى سهم مغري لذوي درجات الوعي المنخفض من المضاربين حيث يقوم كبار ملاك هذه الأسهم وكبار المضاربين بتفريغ ما يملكونه من أسهم على حساب هؤلاء المضاربين ، حتى اذا ما انتهت عملية التفريغ المدروس فان سعر هذه الأسهم يهوي الى الحضيض دون أن يستطيع أحدهم التخلص مما لديه من أسهم الا على أدنى المستويات. وفي حالات أخرى فان الأسهم موضع المضاربة تكون ذات معطيات أساسية جيدة ولكن معدلات تقييمها تتجاوز النسب المتعارف عليها علميا لتحديد كونها ذات قيمة عادلة تحت تأثير المضاربات المحمومة عليها.
وهنا يأتي دور العامل الثاني وهو عامل الرفع المالي ، فنجد أن معظم هؤلاء المضاربين لا يستخدمون فوائضهم المالية في عمليات المضاربة وانما يقترضون من البنوك أو المؤسسات المالية للقيام بهذه العمليات، وحيث أن توقيت دخولهم الى السوق يكون في العادة في المرحلة الأخيرة من الرحلة التصاعدية للسعر بعد تأكدهم من أن هذا السهم أو ذاك قد حقق ارتفاعا ملموسا وأرباحا هائلة لمن استثمر فيه، فان عملية الاقتراض تضعهم في وضع حرج جدا لا يستطيعون معه تحمل هبوط السعر لأكثر من النسبة التي يدينون فيها للبنوك أو المؤسسات المالية، مما يضطرهم الى تسييل هذه الأسهم في أول هبوط لها وفقدان الجزء الذي ساهموا فيه من أموالهم المتوفرة، ولا يتيح لهم الاستفادة من أي صعود آخر.
أما العامل الثالث والمهم في الخسائر المتحققة للمضاربين فهو ما يسمى مستويات الدعم الفني للأسهم أو مؤشرات الأسهم Support Levels وهي مستويات وهمية تخلقها الرسوم البيانية الناتجة عن حركة أسعار الأسهم أو قيم المؤشرات ، فنجد أن معظم المضاربين يتبع هذه المستويات للدخول في مضاربات دون العلم أن هذه المستويات تتغير وتتقلب وفق المعطيات الأساسية التي ذكرناها في البداية ولا يغني كونها ناتجة عن حركة اسعار أن تكون أصلا قد نبعت من مؤثرات أساسية هي التي سببت حركة الأسعار في الأصل. كما أن مستويات مؤشرات أسعار الأسهم Indices يمكن السيطرة عليها في العديد من الأحيان بالتحكم في بعض مكوناتها من الأسهم.
وفي بورصة عمان لا يختلف الوضع عنه في أي بورصة في العالم ، فالاختلاف الوحيد هو في المعطيات الاقتصادية العامة، في حين أن المعطيات التي تخص الشركات هي نفسها ومعايير التقييم للأسهم هي ذاتها ، ومعايير التحليل التقني تعطي ذات التقييم للمضاربين فهي تحثهم على شراء تلك الأسهم ذات الأسعار المرتفعة دون النظر الى معطياتها الأساسية وتعطي مستويات دعم لمؤشرات الأسعار على قيم تبلغ عندها معايير تقييم الأسهم ضعف ما هو متعارف عليه في علوم التمويل الأساسية لما يسمى “القيمة العادلة” للسهم أو السوق، فهل يعود المضاربون الى وعيهم ليدركوا كيف يخسرون في البورصات؟
الكاتب محمد عبدالله هو خبير مالي ويعمل مستشارا مالياً اقليمياً لعدد من الشركات.عمل سابقاً مساعداً للمدير العام في المتحدة للاستثمارات المالية ومديراً عاماً لشركة اللؤلؤة للاستشارات المالية،إضافة الى خبرات سابقة في البنوك المحلية وشركات الاستثمار الخليجية.ساهم بهذه المقالة حصرياً لـ “جوردن ديلي” الاخباري.