ارآء

لا تقاوموا الشر؟!

القس سامر عازر

جوردن ديلي – وهل الشّرَ شيء ملموس لمقاومته؟ وهل مقاومته مشروعة؟ أسئلة في الصميم حينما نتأمل في الموعظة على الجبل في جملة تُعتبر من أصعب الجمل التي أوصانا بها السيد المسيح، وهو العَالِمُ بمقدار الشّرِ في هذا العالم، وقوتِه وحجمه، وبأنَّ صراعنا في هذا العالم هو ليس مع دم ولحم بل مع أجناد الشّر الروحية، وقد كانت حياته من بدايتها إلى نهايته تَصَّدٍّ لعالمٍ مليئ بالشرور وعالمٍ تفوح منه رائحة الغَيرة والشَهوة والأنانية والكبرياء والإنتقام.
لقد أراد السيد المسيح أن يُعطي العالم وَجْهَاً آخر مختلفاً عن لغة البشر التي لا تَعرف إلا لغة الحقد والكراهية والإنتقام وشريعة الغاب، متمثلة بشريعة حمورابي “العين بالعين والسن بالسن”، وهي شريعة لا تقود إلا إلى المزيد من المآسي والويلات والدموع والأحزان، لذلك تكلم السيد المسيح عن إدارة الوجه الآخر، ولا يعني بذلك التجاهل عدم الإكتراث بل وجه المحبة لعالمٍ لا يعرف إلا لغة العنف والإساءة، وكذلك تكلم عن مفهوم الميل الثاني أي السير طواعية كنوع من التعبير عن قلوبٍ تنبضُ بمحبةٍ مفقودةٍ في عالمنا البشري.
وهذا كلُّه طبعا غير ممكن من غيرِ أن يمتلك الإنسان قوة من الأعالي وضبطاً للنفس فلا يَزيدُ الأمورَ سوءً والأحوالَ تَعقيداً، بل بسعةِ صدرٍ وقدرةِ احتمالٍ وتبرُّأٍ من لغة الكراهية يُسهم بأن يخفِّفَ من حّدة الشّر الصادر عن قلوب شريرة تحتاجُ أن تلمسَ وتختبرَ ما تفتقد إليه من محبة وتسامح وغفران. فشفاء العالم من أعمال الشر تقابل بتكثير أعمال الخير والتجاوز عن مَن أساءَ إلينا مهما كانت درجةُ الإساءَةِ أو قوَّتِها على مقياس رختر، فلن يشفي القلوب إلا نعمة الله الشافية.

فالشر إذا لا نقاومه بمزيد من الشرور والأفعال الإنتقامية بل يقاوم بتسامي النفس وتعاليها، وعدم ردِّ الصاع صاعين، بل بالبحث في كلِّ الطرقِ التي تُخْجِل فاعلِ الشر وتقوده للندم والتوبة عن شرّه. عندها نقدر أن نغلبَ الشَّرَ بالخيرِ ولا نسمح للشّر أن يَغلبنا وَيُحيدنا عن درب حياتنا.

Check Also
Close
Back to top button