جوردن ديلي – تراجعت أسعار النفط 5% خلال تداولات أمس الإثنين، لتواصل هبوطها خلال الفترة الحالية وذلك عكس اتجاه الأسعار منذ بدء الحرب الأوكرانية، حيث شهدت الأسعار تقلبات عدة ولكنها بقيت في مستويات مرتفعة بشكل عام.
لماذا الانخفاض؟
والسبب الرئيس لانخفاض الأسعار كان ما وصفه المراقبون بالأداء المخيب للاقتصاد الصيني، حيث خفضت بكين توقعاتها لنمو اقتصادها هذا العام إلى 4% (بعدما بدأت العام وهي تستهدف 5.5%) وسط تحذيرات مراقبين محايدين من أن النمو الإجمالي للاقتصاد الصيني هذا العام قد يصل إلى 3.4% في ظل استمرار العقبات التي تعترض ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
كما كانت “الصدمة” الأكبر بانخفاض الناتج الصناعي الصيني بنسبة تفوق 3% خلال الربع الثاني من العام الحالي، بينما كانت التوقعات تشير إلى نموه بنسبة 4%، وهذا القطاع هو الأعلى استهلاكًا للنفط في الصين بما يجعله الأكثر تاثيرًا على جانب الطلب وبالتالي السعر.
ولهذا الأمر تأثيران سيئان على أسعار النفط، الأول هو زيادة المخاوف المتعلقة باحتمال دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود، لا سيما مع دخول الاقتصاد الأمريكي بالفعل في حالة “ركود تقني” بالنمو السالب لربعين متتاليين.
والثاني أن هذا يؤشر إلى معاناة أكبر دولتين مستهلكتين للنفط في العالم -الصين والولايات المتحدة تستهلكان أكثر من 36% من الإنتاج العالمي والصين هي المستورد الأول للذهب الأسود عالميًا- من صعوبات اقتصادية، بما ينعكس سلبًا على الأسعار ويدفعها للانخفاض.
عودة الضخ الروسي للغاز والدولار المرتفع
كما جاءت عودة ضخ الغاز الروسي بكميات متوسطة إلى أوروبا لكي تحلحل قليلا من أزمة الطاقة في القارة العجوز بعد احتدامها خلال الأشهر الماضية، حيث بدأت المخاوف من اضطرار أوروبا لشراء الطاقة “بأي ثمن” في الشتاء في التراجع تدريجيا، وإن بقيت عاملًا واضحا تتحسب الأسواق له وتستعد للاستجابة الفورية لمختلف التغيرات حوله.
وجاءت عودة ارتفاع الدولار للارتفاع خلال الأيام الماضية بعد فترة تراجع فيها أمام سلة العملات العالمية كي تدفع النفط للانخفاض (لأن النفط مقيم بالدولار فيصبح أغلى بالنسبة لغير حاملي الدولار الأمريكي ويصبح سعره الفعلي بالعملات المحلية أغلى مع ارتفاع الدولار).
ولعل هذا هو ما دفع بنك “جولدمان ساكس” ليخفض توقعاته لسعر النفط للربع الثالث من عام 2022 إلى 110 دولارات، بينما كانت توقعاته السابقة تشير إلى 140 دولارا، في حين خفض توقعاته لسعر النفط إلى 125 دولارًا للبرميل في الربع الأخير من 2022 بينما كانت توقعاته بمستوى 130 دولارا للبرميل (لخام برنت)، وأبقى البنك على توقعاته بمستوى سعري حول 125 دولارا للبرميل في عام 2022.
وتشير هذه التقديرات إلى أن البنك يقدر أن الانخفاض الحالي في السعر ليس مستمرًا، وهو ما دفعه لمنح تقدير أعلى للسعر في الربع الأخير من العام عنه في الربع الثالث (الحالي)، مما يؤكد رؤية البنك على أن الطلب سيعود للارتفاع خلال الفترة المقبلة.
تأثيرات متضادة الاتجاه
اللافت أنه يبدو أن تأثير الركود المحتمل -والعوامل الأخرى الدافعة للانخفاض بدرجة أقل- أصبح قويًا للغاية بحيث يواجه تأثيرات أخرى من شأنها أن ترفع السعر، ومن بينها أزمة الطاقة الحادة التي تواجهها أوروبا والتي دفعت دولة مثل سويسرا لإعلان حالة “الطوارئ” في الطاقة وطلبت من ألمانيا (التي تعاني بالفعل) إمدادها باحتياجاتها من الغاز.
فقبل أشهر كانت كل التوقعات تشير إلى استقرار سعر برميل النفط فوق مستوى 100 دولار -على الأقل- حتى نهاية العام، بل أشارت تقارير إلى استقراره فوق مستوى 120 دولارا ووجود تصريحات رسمية من العديد من المسؤولين المعنيين بالقطاع النفطي تتنبأ باستمرار النفط في مستوياته العالية حتى نهاية العام.
بل وصل الأمر بتوقع “جي.بي.مورغان” قبل شهر ونصف تقريبا إلى تخفيض “انتقامي” للإنتاج الروسي بواقع 3 ملايين برميل يوميًا سيرفع السعر إلى 190 دولارا للبرميل، بينما خفض الإنتاج الروسي بواقع 5 ملايين برميل قد يصل بالسعر إلى 380 دولارًا للبرميل.
ولكن الشاهد أن تعدد العوامل القوية للغاية التي تدفع للانخفاض كان من شأنه الوصول بأسعار النفط لمستويات سعرية منخفضة للغاية، ربما دون 60 دولارا، ولكن وجود العوامل الأخرى الأساسية المتعلقة باختلالات هيكل العرض بسبب العقوبات على روسيا وتغيير هيكل الطاقة عالميا وأوروبا هو ما أسهم في إبقاء النفط في مستويات قريبة لـ90 دولارا على الرغم من تراجعه الواضح مؤخرا.
وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط حاليًا إلا أنه من الصعب الجزم باتجاهها في الفترة المقبلة (هي صعبة التنبؤ في الظروف العادية فضلا عن المتقلبة)، غير أنه يبدو أن احتمالات الركود بدأت تلقي بثقلها على سوق النفط بشكل ما.
وسيجعل هذا من البيانات التي تشير لنمو غير منتظر في الاقتصادات الرئيسية عامل الرفع الرئيس للأسعار الفترة المقبلة، ومعها ظروف “طبيعية” مثل دخول فصل الشتاء بعد قرابة شهرين أو سياسية حول تطورات الحرب الأوكرانية أو اقتصادية مثل مخزونات النفط أو سعر الدولار.