جوردن ديلي – إذا كنت من المعتادين على التعامل في الأسواق فحتماً ستكون قد سمعت تحذيراً عن انفجار فقاعة عقارات أو سوق أسهم أو بيتكوين قبل ذلك، ولكنك لم تحقق في غالبية هذه التحذيرات، ليبدو أن فقاعات الأصول وسوق الأسهم لا تسبقها تحذيرات “كافية” باستمرار.
ويشير “دان سوزوكي”، الخبير في “ريتشارد بيرنسنت” و”أمريكا ميريل لينش” إلى أن فقاعات الأسهم بطبيعتها لا تحدث وهي متوقعة (على الأقل بشكل واسع)، لأن توقعها بشكل واسع كان سيدفع المستثمرين، حتى قليلي الخبرة منهم، لاتخاذ احتياطهم ضدها بخيارات عقلانية في الشراء والبيع والاحتفاظ، بما سيمنع تكون الفقاعة في بادئ الأمر.
ويعرف “دان سوزوكي” الفقاعة بأنها التي تشهد بانهيار قيمة أصل أو سهم بأكثر من 50% خلال فترة زمنية وجيزة، لا تتجاوز عامًا أو اثنين، مع تقلبات حادة في الأسعار خلال هذا المنحنى النزولي بسبب سيادة “بيع الهلع” من جانب، ومحاولات المضاربة للاستفادة منه على الجانب الآخر، أو حتى بنسبة أقل من 50% ولكن في نطاق زمني قصير.
وعلى سبيل المثال تخطى مؤشر “ناسداك” للشركات التكنولوجية مستوى 16 ألف نقطة (وهو مستوى قياسي) في نوفمبر 2021، قبل أن يعود ليسجل مستويات تقل عن 11.5 ألف نقطة الشهر الجاري (سبتمبر 2022) بما يعني أنه فقد قرابة 30% من قيمته خلال 10 أشهر.
وبشكل عام فإن الانخفاض السريع بهذا الشكل يمكن أن يعرف بالفقاعة، لا سيما في ظل التوقعات بعودة أسهم التكنولوجيا بالذات لتسجل مستوى دون 10 آلاف نقطة إذا ضرب الركود السوق الأمريكية بل ويتخوف البعض من عودتها لمستويات قياسية متدينة دون 7 آلاف نقطة حال استمرار الركود لأكثر من ربعين متتالين.
واللافت هنا أن تراجع أسهم التكنولوجيا يكاد يقدم منحنى متطابقًا مع العملة الرقمية البيتكوين؛ حيث سجلت الأخيرة مستوى قياسياً يتخطى 68 ألف دولار في نوفمبر 2021، قبل أن تتهاوى وتخسر قرابة 75% من قيمتها خلال أشهر، قبل أن تستقر منتصف سبتمبر 2022 على مستويات تتراوح حول 21 ألف دولار.
وهنا يمكن القول بوجود “فقاعة” بشكل ما للأصول عالية المخاطرة خلال المرحلة الحالية، ولا شك أن هذه الفقاعة ستتأكد ويصبح انفجارها أشد حدة إذا استمر رفع أسعار الفائدة الأمريكية، وإذا أصاب الاقتصاد الأمريكي الركود.
والشاهد أن الفقاعات لا تندلع من العدم، بل عادة ما يسبقها تمهيد أو مسببات لا يرى غالبية المتعاملين في السوق ومن المراقبين فيها أي إشكالية، وقد تكون منها إجراءات “محمودة” في وقتها لكن حجم هذه الإجراءات والإبقاء عليها لفترات أطول مما ينبغي قد ينقلب بالأمر إلى فقاعة تصيب السوق بأزمات شديدة.
ولعل أحد أهم الأمثلة على “الإجراءات المحمودة” التي أدت بالنهاية إلى فقاعة مدوية، كان خفض الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة من 6.5% منتصف عام 2000، إلى 1.2% وذلك لمحاولة الإفلات بالاقتصاد من تهديد الركود الذي أعقب أزمة أسواق المال الآسيوية التي انفجرت عام 1998 وأصابت تداعياتها الاقتصادات الكبرى حول العالم.
وأدى هذا إلى انخفاض الفائدة على الرهن العقاري في عام 2003 إلى أدنى معدل في تاريخه، بوصول الفائدة على قروضه لفترة 30 عامًا إلى 5.23% فحسب، بما تسبب لاحقًا في أزمة الرهن العقاري الأمريكية التي سببت الأزمة المالية العالمية عام 2008 وأدت لإفلاس العديد من المؤسسات والبنوك الكبرى.
فالشاهد أن تدني الفائدة لهذه الدرجة، مع إجراءات تسهيل الحصول على فوائد العقارات (ضمن برنامج “بيل كلينتون” الرئيس الأمريكي الأسبق لتسهيل حصول العائلات على مسكن) (بوصف العقار بحد ذاته ضامنًا للقرض بما يجعل الحصول على ضمانات أخرى ليس أمرًا حيويًا كما قدر الفيدرالي الأمريكي وقتها في تقديرات تأكد خطأها لاحقًا) أدى لزيادة الإقبال على شراء العقارات.
وتزايد شراء العقارات حتى بين الأسر التي لا تستطيع الإيفاء بالمتطلبات المادية لشرائها، بما أدى لظهور تعثرات واسعة وأوجد معروضًا كبيرًا من العقارات التي لا تجد مشترين بما تسبب في أزمة عقارية عانى العالم أجمع منها بسبب ما وصف بادئ الأمر بـ”الإجراءات المحمودة”.
والسبب الرئيسي لحدوث الفقاعات هو نظرية تعرف بنظرية “الأحمق الأكبر”، ويقصد بها أن بعض السلع ستستمر بالارتفاع لأن هناك مَن يظن باستمرار أن سعرها مستمر في الارتفاع وليس لأن هناك حقائق على أرض الواقع تبرر هذا الارتفاع، ومع هذه النظرية تستمر الأسعار في الارتفاع حتى يقرر كثيرون “جني الأرباح” فتنفجر الفقاعة.
ولعل الأزمة العقارية التي شهدتها اليابان في أواخر ثمانينيات القرن الماضي خير مثال على هذه النظرية، حيث بلغ سعر المتر في أحد المقرات الإدارية في طوكيو 139 ألف دولار عام 1989، وبعد عامين فقط تراجعت قيمة هذا العقار بنسبة 95% بعد انفجار الفقاعة وبشكل عام تراجعت قيمة معظم عقارت اليابان التجارية بنسبة 90% خلال سنوات معدودة.
وتكرر مفهوم الأسعار المبالغ فيها و”الأحمق الأكبر” بشكل صارخ في فقاعة “دوت كوم”، فمع ما وفره وجود الإنترنت وتطبيقاته على نطاق واسع للمستهلكين بدأ كثيرون يرون فيه الاستثمار الأمثل في نهاية القرن الماضي، وبالتحديد منذ عام 1995 ازدادت الاستثمارات في شركات الإنترنت بشكل كبير، بسبب “الانبهار” بما يقدمه.
ووصل الأمر إلى أن 39% من الاستثمارات الجديدة في عام 1999 كانت في الإنترنت وشركاته، وهي نسبة كبيرة للغاية على حجم تطبيقات الإنترنت في هذا التاريخ، بما دفع “آلان جريسبان” رئيس الفيدرالي الأمريكي وقتها للتحذير من “المبالغات في تقييم بعض الشركات”، فيما عد تحذيرًا من الفقاعة، لكن الأسواق لم تستمع إليه.
وجاء تحطم السوق أو انفجار الفقاعة بخسارة مؤشر “ناسداك” لـ76% من قيمته بين 10 مارس 2000 حتى 4 أكتوبر 2002، وخلال هذه الفترة شهدت أسعار الأسهم التكنولوجية تقلبًا عنيفًا للغاية، حتى أن بعض حالات الانتحار تم ربطها بتغيرات الأسهم في تلك الفترة.
وقبل انفجار الفقاعة كثيرًا ما تظهر بعض النذر التي تشير إلى ذلك، ومن ضمنها بلوغ مكرر الربحية لبعض الشركات أرقامًا قياسية كبيرة، وفي فقاعة “دوت كوم” تخطى مكرر الربحية 100 لغالبية الشركات المرتبطة بشكل أو بآخر بالإنترنت.
فبعيدًا عما يصفه علماء الاقتصاد بـ”حمى الشراء” التي تصيب البعض في حالة تكوين الفقاعة والتي تؤدي لشرائهم للأسهم بأي سعر، إلا أن البعض اشتروا بعض الأسهم “رهانًا على المستقبل” أي على بعض الابتكارات أو الاختراعات التي ستزيد من قيمة الشركة بشكل كبير، وظلوا محتفظين بالأسهم في ظل استمرار قيمتها في الارتفاع.
ومن الرهان على المستقبل مثلًا أن مكرر الربحية في سهم “تسلا” يبقى دائمًا فوق رقم 100 (بلغ 109 في 18 سبتمبر الماضي)، وذلك رهانًا على تواصل تصاعد مبيعات السيارات الكهربائية بشكل عام، وتمتع شركة السيارات الشهيرة بوضع تنافسي ريادي في هذا السوق، فضلا عن الأمل في تحقيق جهود الأبحاث والتطوير لاختراقات نوعية في مجال البطاريات.
وعلى الرغم من أن هذا الرهان يبدو عقلانيًا للوهلة الأولى، إلا أنه ومن جانب آخر لا يمكن إهمال وجود منافسين جدد وكبار لـ”تسلا” بما يجعل محاولة تصوير تمتعها بوضع احتكاري غير صحيحة بالمرة، كما أن الرهان على تحقيق اختراقات في مجال البطاريات أمر لا يمكن التحكم به أو حتى تقديره بصورة دقيقة.
والشاهد أن المستثمرين “العقلانيين” هم الذين يبيعون الأسهم أولا وقبل انفجار الفقاعة، في ظل تعدد دلائل المبالغة في قيمة شركة ما، ويساهم بعضهم من خلال المبيعات في تهدئة الصعود في مرحلة ما، أو في جعل انفجار الفقاعة مدويًا إذا ما كانت المبيعات في بداية انفجار الفقاعة أو بانسحابهم من السوق قبل انهياره.