كتب: محمد عبدالله
جوردن ديلي – يشكل التضخم الحاد الذي يجتاح العالم حاليا تحديا حقيقيا لاقتصاديات العالم ومن ضمنها المؤسسات المالية والبنوك والتي تجد نفسها في خضم هذا التحدي الخطير دون وجود بوادر منها لمواجهته ظنا منها أن ما تقوم به البنوك المركزية أو السلطات المالية كافية لحمايتها منه ، الا أن هذا الاعتقاد سيقود الاغلبية منها لاحتمال مواجهة شبح الافلاس أو التعثر بالحد الأدنى.
ان العصب الرئيسي لأعمال البنوك هو تقديم التسهيلات الائتمانية باستخدام ودائع العملاء لديها بشكل أساسي بحيث تقوم باقراض نسبة من هذه الودائع فيما تبقى نسبة نقدية كاحتياطي لتغطية السحولات من الودائع مستخدمة قاعدة رأس المال كاحتياطي داعم لأي ظروف استثنائية أو طارئة.
ووفق بيانات البنوك الاردنية المجمعة فان هذه النسب تشكل في منظومة البنوك بشكل عام من مجموع موجوداتها نسبة 14.5% قاعدة رأس المال ونسبة 72.3% ودائع العملاء و الباقي 13.2% مطلوبات متنوعة في مقابل استخدام 70.2% في تسهيلات ائتمانية ثلث منها للحكومة وثلثين للقطاع الخاص ونسبة 9.9% ودائع للبنوك لدى المركزي بالدينار و 1.3% ودائع لدى المركزي بالعملة الاجنبية وودائع لدى مؤسسات مالية اجنبية بنسبة 3.7% ونقد حقيقي بنسبة 1.73% فقط.
ان التركيبة السابقة تكشف أن التسهيلات الائتمانية كنسبة من الودائع تتجاوز 97% لمجمل البنوك الامر الذي يشير الى حساسية عالية جدا لأي انخفاض في الودائع والذي سيضطر البنوك الى التحمل على قاعدة رأس المال ، ومع الاخذ بعين الاعتبار آجال التسهيلات بالاضافة الى وجود التسهيلات للحكومة سيبدوا وضع القطاع المصرفي في حالة حرجة.
وبالنظر الى موضوع التضخم الحاد واثره في القطاع المصرفي فمن المؤكد أن قدرة المودعين على الادخار ستنخفض بالاضافة الى انخفاض قدرة المقترضين على السداد ورغبة المزيد منهم بالاقتراض خاصة في ظل انحدار الاوضاع الاقتصادية العامة لكافة القطاعات .
يضاف الى ذلك العامل الاهم في معادلة التضخم وهو رفع أسعار الفائدة والتي تستخدمها البنوك المركزية كأداة في محاولة كبح جماح التضخم وهي سلاح فتاك للاقتصاد اذا ما تم استخدامه بطريقة خاطئة او عشوائية غير مسيطر عليها ، وهنا نشير الى أن معدل الفائدة على الودائع في الاردن الى ما قبل بدء رفع الفائدة الأميركية لا يزيد في المعدل المرجح عن 1.5% فيما يزيد معدل الفائدة على التسهيلات عن 6% أي بهامش فائدة بحدود 4% وهو هامش مرتفع اذا ما تم مقارنته بمعظم الدول.
ومع بدء ارتفاع الفائدة الأميركية لم تتردد البنوك الاردنية في الرفع الفوري للفائدة على التسهيلات حتى على القروض السابقة المتعاقد عليها دون أي بادرة للتدخل من قبل البنك المركزي الذي يفترض كونه رقيبا على أعمال البنوك لمنعها من استخدام شروط الاذعان في عقود التسهيلات لفرض رفع سعر الفائدة على عملائها.
هذا في الوقت الذي لا يتوقع من هذه البنوك اجراء أي رفع على الفائدة المدفوعة على الودائع في الاجل القصير وأن أي ارتفاع لتكلفة الودائع لن يزيد عن 0.5% في المعدل المرجح عبر عدة سنوات كون ثلثي هذه الودائع تحت الطلب أو حسابات بدون فائدة الامر الذي لا ينعكس على زيادة التكلفة على البنوك من ودائعها الحالية لما لا يقل عن عدة سنوات.
المحصلة في ما سبق أن عدم القدرة على ادارة مشكلة التضخم بشكل عقلاني وسليم سيدفع الى الاحتمالات التالية:
– انخفاض حجم الودائع لدى البنوك نظرا لانخفاض القدرة على الادخار بالاضافة الى ميل المدخرين الى الانتقال الى ادوات استثمارية مختلفة ذات عائد أفضل من الودائع
– ارتفاع نسبة تعثر المقترضين مع ارتفاع أسعار الفائدة وعدم القدرة على خدمة ديونهم.
-اختلال نسب التغطية النقدية للبنوك وانخفاض احتياطياتها النقدية
ومن الحلول الممكنة لهكذا أوضاع هو تفاعل البنوك ايجابيا مع مشكلة التضخم بحيث تبتعد عن تفكير زيادة الربحية باتجاه الثبات والاستقرار لها و لعملائها عبر مجموعة من الاجراءات المحتملة ومنها:
– الابقاء على أسعار الفائدة للقروض السابقة المتعاقد عليها دون زيادة اعادة هيكلة نسب التسهيلات الى الودائع عبرالمرحلة القادمة بحيث لا تزيد عن 80% في أقصاها
-رفع نسب السيولة النقدية بما لا بقل عن ضعف النسب الحالية
-تخفيض حجم الاستثمارات غير المباشرة الى الحد الأدنى
-اعادة تصنيف التسهيلات الائتمانية في محافظ البنوك واعادة هيكلتها باسترداد ما يزيد عن النسب المحددة لكل نوع أو قطاع عند استحقاقها.
الكاتب محمد عبدالله هو خبير مالي ويعمل مستشارا مالياً اقليمياً لعدد من الشركات.عمل سابقاً مساعداً للمدير العام في المتحدة للاستثمارات المالية ومديراً عاماً لشركة اللؤلؤة للاستشارات المالية،إضافة الى خبرات سابقة في البنوك المحلية وشركات الاستثمار الخليجية.أرسل هذه المقالة حصرياً لـ “جوردن ديلي” الاخباري.