عمالة الأطفال جريمة تنتهك حقوقهم وتدوس إنسانيتهم
إيمان المومني
جوردن ديلي – يرى علماء الاجتماع والنفس والمهتمون بشؤون الاسرة أن عمالة الأطفال، التي تدفعهم اليها ظروفهم الاقتصادية الخانقة هي انتهاك لحقوقهم، وجريمة تُرتكب بحق إنسانيتهم، وتحرمهم من التمتع ببراءة طفولتهم، والانتظام في دراستهم.
وتُستخدم عمالة الأطفال بديلة لعمالة الكبار لأنها رخيصة وهي من أبشع وأخطر صور الانتهاك والاغتصاب لحقوق الإنسان وبخاصةً الطفل الذي لا يزال في طور عملية تحوله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي في طريقه الى ان يرتقي إلى كائن أخلاقي.
وتقول أستاذة علم الاجتماع علم الجريمة بجامعة مؤتة والمحاضرة غير المتفرغة في الجامعة الأردنية الدكتورة مجد القبالين : إن” عمالة الأطفال هي العمل الذي يفرض على الطفل أعباء ثقيلة تُهدد سلامته وصحته النفسية والعقلية والعاطفية والانفعالية، ويستغل ضعف الطفل وعدم قُدرته في الدفاع عن نفسه وحقوقه وحماية نفسه”.
وتضيف في كثير من الأحيان تكون عمالة الأطفال ليست تسربا من المدرسة وانما بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تجبر الاسرة على الدفع بأبنائها الى سوق العمل الذي لا يرحم الطفولة ولا يفهم الا لغة الكسب.
حالة المزارع محمد سالم، مثال حي على قسوة الظروف التي تجبر الاسرة على الموافقة مرغمة على عمالة أبنائها، وحرمانهم من متابعة دراستهم مما يؤكد ما ذهبت اليه الدكتورة القبالين.
سالم يقول : والغصة تمنعه من الاستمرار في حديثه: كلما شاهدت ابني البكر سالم 13 عاما وهو يعمل في نفخ إطارات السيارات ولم يكمل دراسته رغم تفوقه فيها تنهمر الدموع من عيني واتمزق حزنا لأنني لا استطيع منعه من العمل ولا استطيع العيش انا وعائلتي اذا انقطعت الخمسة دنانير التي يكسبها من عمله الطويل ويزيد انه ضنك الحياة .
وتشير القبالين الى انه من المعروف لدى المُتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والمُتخصصين في مجال الأسرة والطفولة أن الطفل يولد صفحة بيضاء وفي أول ست سنوات من حياته تُصقل شخصيته من الأسرة وهي الحاضنة الأولى للطفل، وعندما يغيب دور الأسرة هنا تُشكِل عمالة الأطفال تهديداً حقيقياً للمُجتمع بأسره، فالأطفال نواة المُجتمع وبذرته الأولى وهُم ثمرة رجل وامرأة وقد تُصبح تلك الثمرة فاسدة وسامه على المُجتمع بأسره بل إنها تُعيد إنتاج العديد من الثمار الفاسدة وذلك عندما لا تتوفر الظروف المُناسِبة والطبيعية لنموها.
وتزيد إن كل مرحلة إنسانية يمُر فيها الفرد لها مُتطلباتها واحتياجاتها وتُساهم في صقل شخصية، وعمل الطفل في السن التي من المُفترض أن يكون فيها بين مدرسته واسرته ما هو إلا عملية وضع تلك البذرة أو الثمرة في أبشع وأسوأ الظروف المُحيطة بها والأكثر خطورة على الإطلاق وغير الآمنة.
وترى القبالين ان خطورة عمالة الأطفال وامتداد عوامل الخطورة تكمُن في ان عمالة الأطفال تُحتِم على الطفل أن يحتك بكل شرائح المُجتمع وهو لا يمتلك القُدرة والمهارات للتعامُل مع تلك الشرائح المُجتمعية على اختلافها ودرجة خطورتها.
وتركز على ان عمالة الأطفال تُعرِض الطفل لأسوأ واشبع طرائق الاستغلال المادي والجنسي ….فعند تعرُض الطفل للتحرُش الجنسي يتم بذلك إعادة إنتاج المزيد من المثليين والمُضطربين جنسياً الذين يعانون الشواذ أو ما يُطلق عليهم في علم النفس البيدوفيليا من يعانون اضطراباً في ميولهم الجنسية، فالطفل يتعرض للاستغلال الجنسي وهو نفسه غير مُدرِك لما يحصُل له ويتعرض له من كل أشكال الاستغلال لجهله وغياب دور الأسرة والتوجيه والإرشاد.
وتؤكد ان عمالة الأطفال تُعرضهم للعُنف اللفظي والضرب واللوم والعتاب وافتقادهم للاحتواء مما يؤثر سلباً على نموهم العاطفي والنفسي بشكل سليم، مشيرة الى انه في علم الجريمة عندما ندرُس جريمة قتل أو نُجري دراسة حالة لمُدمن مُخدرات ونُسلط الضوء على حياة الجاني مُرتكب الجريمة وبعد الرجوع لتاريخ الجاني نكتشف أن الجاني لم ينشأ تنشئة أسرية طبيعية فإما أن يكون من أبناء الطلاق …أو من أبناء العُنف الأسري….أو من أبناء الاطفال العاملون في سن يُفترض أن يكونوا فيه مُنخرطين بأن يعيشوا طفولتهم بشكل سوي وطبيعي وعلى مقاعد دراستهم.
وتحذر القبالين من خطورة انعكاسات عمالة الأطفال على الطفل نفسه وعلى المُجتمع حيث ينشأ جيل مُضطرب غير سوي لديه درجة عالية من الشعور بالحرمان العاطفي والنفسي والحرمان من الاحتواء، فعندما يقوم الطفل بمُقارنة نفسه بغيره من الأطفال الذين عاشوا طفولة طبيعية وسوية يبدأ الطفل يشعُر بالنقمة على مُجتمعه وينمو لديه عدم الشعور بالولاء والانتماء والمواطنة تجاه مُجتمعه وبلده، فيتحول الى شخص قد ينخرط في أعمال إرهابية أو المُتاجرة بالممنوعات عندما يكبُر كوسيلة وطريقة منه للانتقام من مجتمعه وظروفه التي مر بها ونشوء لدينا ما يُطلق عليه بالثقافات الفرعية الجانحة.
وتشدد القبالين على ان عمالة الأطفال عملية امتداد وإعادة إنتاج للمزيد من الأشخاص المُضطربين نفسياً وعاطفياً وحتى جنسياً، فالمُجرِم لا يولد مُجرِماً وإنما مصنعه وبيئة إنتاجه تكون الإهمال والتهميش والاقصاء والاستبعاد الاجتماعي، سواءً من قبل الأهل أم من قبل المُجتمع أم حتى من قبل الأشخاص الذين يستغلون الأطفال ويفرضون عليهم العمل في سن هُم غير مؤهلين فيه للعمل.
وتصرّ على ان أكثر ما يُهدد المُجتمع حينما يكبُر الأطفال الذين كانوا يعملون في صغرهم حيث كانوا يعملون مع أشخاص يمارسون عليهم كل أشكال التعنيف والاستغلال وبالتالي سوف يتخذ الطفل من عمله مع المُستغلين للأطفال قدوةً له نظراً لشعوره بالخوف منه وسوف يتعلم منه جميع أشكال الانحراف والاستغلال والتعنيف من خلال عملية التعلُم بالنمذجة.
كما تحذر القبالين من ان عمالة الأطفال تُعرِضهم لدخول أجهزة العدالة الجنائية التي تتمثل بالمحاكم والسجون ومراكز الإصلاح والتأهيل، فحينما يدخُل الطفل سجن أو مركز الإصلاح والتأهيل فانه يتعلم كل أشكال الانحراف من قبل نُزلاء تلك المراكز خصوصاً حينما لا يكون هُنالك فصل بين النُزلاء تبعاً لأعمارهم أو قضيتهم التي بسببها دخلوا السجن أو مركز الإصلاح والتأهيل أو حتى المحكمة، إضافةً إلى الوصمة الاجتماعية السيئة التي تُمارس على هؤلاء الأطفال.
المحاضر السابق في قسم التمويل في الجامعة الأردنية ورئيس الهيئة الإدارية لجمعية الانتماء الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن البلبيسي يرى ان عمالة الأطفال تؤدي الى زيادة الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير وتحسين دخل الاسرة في مرحلة معينة الا انه على المدى الطويل هناك خسارة للوطن و للأسرة بسبب فقدان هؤلاء الأطفال فرصة التعليم الالزامي والثانوي و الجامعي المهني او الاكاديمي مما يعيق تطور دخول تلك الفئة مستقبلا في المجتمع وتبقى أسرهم في مرحلة العوز بدلا من النهوض بهم لمستوى معيشي افضل بشكل نوعي و كمي و تلك الخسارة تعد اكبر من الدخل المرحلي لعمالة الأطفال ضمن سن الطفولة.
ويدعو البلبيسي لانتظام الأطفال من الاسر المعوزة في الدراسة المدرسية بدلا من العمل وان توفر الدولة لهم دخلا ولو بسيطا يرفدون به اسرهم ليتمكنوا من الانتظام بدراستهم و الانتقال للجامعة مشيرا الى ان العمل مع الدراسة في المرحلة الجامعية اجدى و انجح للطفل و الاسرة و الاقتصاد معا.
ومتابعة لكلام الدكتور لبلبيسي تقول المواطنة حليمة الخالد 38 عاما لـ(بترا):” انا امرأة ارملة توفي زوجي منذ خمس سنوات وتركني مع أربعة أطفال اكبرهم فاطمة 11 عاما، الظروف الاقتصادية الصعبة حاصرتني بعد وفاة زوجي وليس هناك من فكاك لهذا الحصار الا بترك فاطمة المدرسة والعمل برعاية الأغنام التي احلبها واذهب لبيعها في السوق لتوفير المال القليل لمعيشتنا”.
ونزيد الخالد: الله يرحم زوجي كان يوفر لي وللأولاد حياة كريمة ولكنها إرادة الله التي جعلتني اتحمل همّ الاسرة ببيع الجبن واللبن والسمن، وارجو الله ان تساعدني الدولة بما يوفر لنا الاكل والشرب وحتى يكمل اولادي تعليمهم ولا أضطر لدفعهم للعمل وانا كاره لذلك لأنني اعرف ان العلم الذي حرمت منه سلاح للإنسان، ولكن الظروف اقوى من الاماني.
وترى المحامية المتخصصة بقضايا الاتجار بالبشر أسماء عميرة انه يجوز تشغيل الأطفال بين 16 و18 عاما ضمن شروط حددها قانون العمل الأردني، مثل بيئة آمنة مناسبة للعمل وان يكون الطفل لائقا صحيا، والعمل من المسموح العمل بها، على ان لا يعمل اكثر من 6 ساعات ، وان يحصل على استراحة كل اربع ساعات، ويكون تأخره بموافقة ولي أمره، ولا يعمل في مهن خطرة ،وتؤكد انه لا يجوز تشغيل الطفل تحت 16 عاما باي حال من الأحوال.
وتوضح عميرة ان المادة 389 من قانون العقوبات الأردني والمادة 3 من قانون منع الاتجار بالبشر يمنعان استعمال الأطفال لبيع الماء والعلكة وغيرها في الشوارع للتسول.
وتدعو الى عدم تكييف عمالة هؤلاء الأطفال تحت بند التسول على الرغم من انه اتجار واضح بالبشر، لان القانون لم يعرف التسول المنظم مما يسبب الارتباك في تطبيق القانون على الطفل الذي يتسول هل العملية تسول ام اتجار بالبشر.
ويبين مركز حماية الاسرة ان أسس التعامل مع الاحداث العاملين خلافا للتشريعات النافذة ترتكز على منهجية إدارة الحالة والنهج التشاركي وفق الاطار الوطني والأدلة الإجرائية الصادرة بمقتضاه وبما ينسجم مع قانون الاحداث رقم 32 لسنه 2014.
ويشير المجلس الى ان الاطار شدد على التزام المؤسسات بتنفيذ منهجية إدارة الحالة بشكل مؤسسي يتضمن الاستجابة لمجالات عمل الأطفال بشكل شمولي وتشاركي مع كل المؤسسات المعنية وان تلتزم المؤسسات التي تقوم بدور إدارة الحالة بعقد شراكات وفق مذكرات تفاهم مع المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات وتلتزم إدارة حماية الأسرة والاحداث بمخطط سير التعامل مع الأطفال العاملين وتقوم بالإجراءات التالية : استقبال الحالة استقبال المعلومة بالشكوى والتبليغ، وتدوينها في سجل الإخبارات والشكاوى، ثم تعبئة المعلومات والبيانات الواردة اليه حول الحالة واسرته في نموذج الاستقبال المعد لهذه الغاية، وبعد ذلك يتم تحويل الحالة إلى مكتب الخدمة الاجتماعية، حيث يتم تصنيف الحالة ودراسة معطياتها من قبل الباحث الاجتماعي وانتهاء دور شرطة الاحداث وبدء دور مكتب الخدمة الاجتماعية، وفي حال كانت الحالة تقع ضمن الاختصاص النوعي لإدارة حمايه الأسرة والاحداث يتم التعامل مع الحالة من قبل العاملين في الإدارة.
وبذلك تقوم إدارة حماية الاسرة والاحداث بعملها وفق منهجية إدارة الحالة ضمن الاطار الوطني للحد من حالات عمل الأطفال.
وتدعو الإدارة جميع المؤسسات الى الالتزام بتبليغ الإدارة عن حالات عمل الأطفال او أي مركز امني من خلال الوسائل والأساليب والقنوات واليات التنسيق والاتصال المعتمدة لهذه الغايات على ان تشارك الجهة المبلغة في عضوية فريق إدارة الحالة وهنا تقوم الإدارة ومن خلال مكاتب الخدمة الاجتماعية بإجراء تصنيف للمعلومات والتبليغات الواردة اليها دون احضار الطفل وولي امره .
وفي السياق ذاته عمل المجلس الوطني لشؤون الأسرة في العام 2011 على إعداد النسخة الأولى من الإطار الوطني للحد من عمل الأطفال، وحديثا في العام 2021 اطلق المسودة الثانية التي تم إقرارها من رئاسة الوزراء.
وهو وثيقة وطنية مرجعية تحدد أدوار ومسؤوليات الجهات للتعامل مع حالات عمل الأطفال وذلك لتقديم هذه الخدمات كل حسب دوره واختصاصه لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم، وإعادة دمجهم في الأطر التعليمية باعتباره الوضع الطبيعي الذي من المفترض تواجدهم ضمنه.
و تم تطوير دليل للإجراءات التطبيقية لتنفيذ الإطار يوضح الإجراءات التفصيلية ونماذجها وآليات الإحالة المتاحة وشبكات الاتصال المتوفرة التي تركز على مبدأ إدارة الحالة للتعامل مع الأطفال وأسرهم وإعادة الطفل إلى مكانه الطبيعي داخل اسوار المدرسة.
ويشير المجلس الى انه في العام 2022 اعد دليل الإجراءات الداخلة لوزارة التنمية الاجتماعية وشرطة الاحداث لتوضح اليات الإحالة ودراسة الحالة وتقديم الخدمات المناسبة.
وفي هذا المجال يعمل المجلس على التشبيك والتنسيق بين العديد من الجهات الرسمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني من خلال اللجنة التنسيقية للحد من عمل الأطفال، التي ساهمت في تطوير العديد من البرامج والخدمات الموجهة لهذه الفئة، وضمان التنسيق والتكامل بين برامج هذه المؤسسات.
وتقول وزارة العمل ان دورها في الاطار الوطني للحد من عمالة الأطفال والمتسولين هو اكتشاف حالات عمل الأطفال واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين استنادا للخطة السنوية لمديرية التفتيش قسم التفتيش الحد من عمل الأطفال حيث يتم توجيه الزيارات التفتيشية والحملات المتخصصة الموجهة للحد من عمل الأطفال واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين من خلال مفتشي العمل اثناء قيامهم بجولاتهم التفتيشية لاكتشاف الحالة في موقع العمل ويتم بعد ذلك تحويل حالات عمل الأطفال المكتشفة بواسطة النظام الوطني الالكترونيchildlabor.jo لكل جهة حسب اختصاصه.
ويقوم مفتش العمل باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين بإنذار أو مخالفة فيما تدخل إدارة الحالة ضمن اختصاص وزارة التنمية الاجتماعية .
وتضيف ان الأردن حرص على تحديث الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال 2022-2030 وخطتها التنفيذية لعام 2022، وذلك بتنفيذ حملات ربعية متخصصة للتفتيش على عمل الأطفال(٤ حملات في السنة) موجهة لجميع المحافظات و القطاعات و خاصة القطاعات الأكثر تشغيلا للأطفال، والتفتيش على عمل الأطفال خلال الزيارات اليومية لمفتشي العمل و اتخاذ الإجراءات القانونية، وتحديث التشريعات المتعلقة بعمل الأطفال ومراجعتها، والمشاركة في تحديث ورسم السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بالحد من عمل الأطفال.
كما تشرف الوزارة على تنفيذ المشاريع والمشاركة في تنفيذ أنشطة المشاريع ذات العلاقة بالحد من عمل الأطفال، ومتابعة حالات عمل الأطفال المكتشفة والمحولة على النظام الوطني الالكتروني لمكافحة عمل الأطفال، وتنفيذ برامج رفع الوعي لدى المجتمع المحلي وأصحاب العمل والعمال بمخاطر عمل الأطفال.
وعن الوضع الاقتصادي للعائلة وتأثيره في عمالة الأطفال، قالت وزارة العمل: لاشك ان من أسباب عمل الأطفال هو الوضع الاقتصادي بسبب الفقر والعوز وقد يكون معيل الاسرة متوفى او عاجزا مما يدفع الطفل للعمل، وهذه أمور تتابعها وزارة التنمية الاجتماعية.