جوردن ديلي – شهدت أسعار النفط في الأسابيع الماضية تقلبًا بسبب تعدد العوامل التي تؤثر عليها وتباينها في الوقت نفسه، وذلك وسط انتظار الأسواق لاجتماع الدول المنتجة للنفط “أوبك بلس” في الثالث من أغسطس لتحديد المستوى العام لسعر النفط في الفترة المقبلة.
وبشكل عام تدور غالبية التكنهات حول استمرار المستويات المرتفعة للنفط خلال الأشهر المقبلة، ومن ذلك ما صرح به وزير النفط العراقي “إحسان عبد الجبار” أنه سوف يتم تداول النفط بأكثر من مائة دولار للبرميل لبقية العام، معتبرًا أن ذلك يستلزم تكاتفًا كبيرًا بين الدول المنتجة للنفط للحفاظ على التوازن بين العرض والطلب.
إلا أنه ومجددا أثبت سوق النفط أنه يصعب التكهن بتحركاته بدقة، وخاصة على المدى القصير، فعلى الرغم من النتائج المخيبة للغاية للاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام الحالي والخوف من عودة الإغلاقات الصحية مجدددًا في المدن الرئيسية في الصين، إلا أن النفط ارتفع يوم أمس الإثنين مما أثار تساؤلات كثيرة عما إذا كان سعر النفط سيتراجع أم سيرتفع.
ولعل ارتفاع أسعار النفط أمس يرجع بالأساس إلى تراجع الدولار النسبي، في ظل توقعات برفع للفائدة أقل من المتوقع في اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي المقبل، بما يعكس مدى تأثر النفط بالتغيرات الاقتصادية ولو كانت “توقعات” حول مستوى الفائدة الأمريكي (المؤكد رفعها ولكن النسبة هي التي تبقى محل جدل).
كما أن استمرار المخاوف من أزمة في المعروض تقود النفط للحفاظ على مستويات سعرية مرتفعة، لا سيما في ظل توقعات باشتعال “حرب طاقة” بين روسيا وأوروبا في الأيام المقبلة مع وقف موسكو لضخ 60% من الغاز إلى أوروبا وإعلان “جازبروم” أنها ستضطر “رغما عنها” لإيقاف ضخ الغاز “قريبًا ” بسبب مشاكل تقنية.
وحال انقطاع الغاز التام عن أوروبا فإن ذلك سيؤدي لارتفاع كبير في أسعار النفط، تقدره بعض التقديرات باستقرار النفط فوق مستوى 120-130 دولارا باستمرار ودون أن يتراجع بما سيجعل قمم النفط السعرية في المرحلة المقبلة بمثابة مستويات قياسية قد تتخطى الرقم القياسي السابق لبرميل النفط بـ147 دولارًا للبرميل والمُسجل عام 2008.
بل ووصل الأمر إلى حد تحذير محللي بنك “جي بي مورغان”، بداية الشهر الحالي، من أن أسعار النفط العالمية قد تصل إلى 380 دولاراً للبرميل إذا دفعت العقوبات الأميركية والأوروبية روسيا إلى تطبيق وقف أو تخفيضات كبيرة على إنتاجها من النفط وامتنعت حتى عن بيعه لحلفائها.
والواضح أن ما يعتبر بمثابة “فاقد” في الإنتاج العالمي للنفط أي قرابة 3.5 مليون برميل (أكثر من 4% من الإنتاج العالمي) تنتجها روسيا عليها عقوبات غربية ليس فاقدًا بالمعنى المفهوم في ظل حصول الصين والهند على برميل النفط الروسي بسعر 75-80 دولارًا، وعلى الرغم من ذلك يبقى أثره ملحوظًا في ظل عدم استقرار الرؤية لسوق الطاقة والمخاوف من نقص مفاجئ في الإمدادت.
وتعد هذه العقبات في السوق دافعًا لأسعار النفط للارتفاع ولكن –وفي المقابل- هناك مؤثرات أخرى تدفع الأسعار للانخفاض، ولعل في مقدمة تلك العوامل الخوف من الركود في الولايات المتحدة والذي قد يتبعه ركود عالمي.
ويرى البعض أن بوادر الركود بدأت في الظهور، مع توقع إعلان ارتفاع البطالة من 3.6% إلى 3.8% خلال الربع الثاني من العام الحالي في الولايات المتحدة والحديث حول عمليات تسريح عمالة تجري وأخرى منتظرة في الكثير من الشركات التي تعاني خسائر بسبب ارتفاع معدلات الفائدة وتراجع الطلب واستمرار أزمتي التضخم وتقطع سلاسل التوريد.
وتزداد مخاوف الركود مع حقيقة أن 80% من المديرين التنفيذيين للشركات الأمريكية يرون أن الركود “قادم لا محالة” نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل وأنهم يعملون على تهيئة شركاتهم لامتصاص آثاره، وكثيرًأ ما يشير الاقتصاديون إلى أن توقع الركود أحد أهم أسباب حدوثه على أرض الواقع.
كما بدأت بوادر تلوح في الأفق حول حلحلة نسبية لأزمة الوقود في الولايات المتحدة من ذلك انخفاض أسعار البنزين 4-4.5 دولار للجالون نزولا عن مستويات قياسية تخطى فيها سعر 5 دولارت للجالون، وذلك بعد انتهاء العطلة الوطنية الأمريكية التي تشهد استهلاكًا كبيرًا للنفط.
كما أن تسجيل السلطات الصينية لمستويات إصابة بفيروس كورونا هو الأعلى منذ 6 أسابيع يقود أيضًا إلى مخاوف من لجوء بكين إلى إغلاق المزيد من المناطق الصينية، بما قد يتجه بالاقتصاد برمته إلى النمو البطيء، مثلما حدث في الربع الثاني مع نمو الاقتصاد بنسبة 0.4% فحسب على أساس سنوي أو حتى العودة إلى مؤشرات النمو السالبة مثلما كان الوضع إبان بداية انتشار كورونا.
واللافت أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تزد طاقتها الإنتاجية إلا بمقدار 136 ألف برميل فحسب خلال الربع الثاني من العام الحالي، إلا أن هذا عاد بالبلاد إلى مستوى الإنتاج القياسي الذي بلغته في مارس 2020 بما يشكل مؤشرًا لاحتمال زيادة المنتجين الأمريكيين لإنتاجهم ولو بنسب ضئيلة –في ظل قيود “بايدن” البيئية- بما يشكل قوة تدفع الأسعار للهبوط ولو بشكل هامشي.
والشاهد أن عوامل كثيرة للغاية تبدو مؤثرة عل سعر النفط في المرحلة الحالية، ولعل في مقدمتها حجم المعروض والأزمة فيه (لا سيما المتعلقة بروسيا)، والانكماش الاقتصادي المحتمل، ومستوى سعر الدولار وحالة الاقتصاد الصيني ومستويات الاستهلاك الأمريكي، وأزمة الغاز في أوروبا.
ولكن يبقى العاملان الأهم اللذان سيكون لهما تأثير أكبر وأكثر استدامة على السعر هو حجم العرض، والمخاوف المتعلقة بالانكماش وتراجع الطلب وكل منهما يدفع في اتجاه معاكس للآخر ليبقى سعر النفط معرضًا للتذبذب وإن ساد التوقع باستمرار بقائه في مستويات مرتفعة ما بقيت الأزمة الجيوسياسية المتعلقة بالطاقة في أوروبا، ما لم يضرب الركود الأسواق العالمية بشكل مفاجئ.