جوردن ديلي – اطمئن عزيزي القارئ فعنوان هذا التقرير ليس ساخرا رغم أنه لا يخلو من الغرابة، لكن تلك هي الحقيقة الخالصة، فشركة “بلاك روك”، أكبر مدير للأصول في العالم، ترى أن أحد أهم الطرق لاستثمار عشرة آلاف دولار في الوقت الحالي، هو أن تشتري الدواجن.
منذ عام ونيف، ربما لو سمع البعض ذلك لضحكوا ملء شدقيهم، أما الآن وفي ظل التقلب في أسواق المال وعلى رأسها الأسهم، فإن البعض يرى أن البدائل يجب ألا تقتصر حتى على العملة والمعادن النفيسة، بل يمكن أن تمتد إلى قطاعات مختلفة باتت ذات جاذبية خاصة.
دوافع الاستثمار في قطاع الدواجن متعددة، أولها هو ارتفاع التضخم العالمي لأعلى مستوياته تقريبا في 40 عاما، صحيح أنه نزل عن ذلك المستوى قليلا إلا أننا ما زلنا بالفعل أمام مستويات قياسية بلغت 8.8 بالمئة في 2022، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، وحتى مع التوقعات بتراجع التضخم أكثر إلى 6.6 بالمئة في 2023، فإن المعدل يظل أعلى بكثير من مستوى ما قبل جائحة كورونا (2017-2019) البالغ نحو 3.5 بالمئة. وبالطبع فإن الغذاء مكون مهم في سلة أسعار المستهلك وقد تأثر بارتفاع أسعار السلع الأولية كالطاقة وغيرها.
ثاني تلك الأسباب هو الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي تسببت في أزمة غذائية عالمية دفعت مؤشر الأمم المتحدة لأسعار الغذاء العام الماضي ليبلغ أعلى مستوياته منذ بدء دورة المؤشر في 1961 وفقا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو). وروسيا وأوكرانيا هما من أكبر الدول المصدرة للأغذية مثل القمح والشعير والذرة والزيوت النباتية وغيرها وبالطبع أثرت الحرب على تلك الصادرات بشدة مما تسبب في نقص في الإمدادات بالعديد من دول إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
يقول “كويستريتش” إن التضخم أصبح حقيقة رغم أنف الجميع وامتد إلى كل فئات السلع، وبين هذه السلع ارتفع عدد قليل بسرعة منها البيض. خلال العام الماضي، ارتفع سعر البيع 50% تقريبا وهو أعلى سعر في أي فئة من فئات المواد الغذائية.
وحتى بالمقارنة مع السلع الضرورية الأخرى، كان الارتفاع في سعر البيض كبيرا. على سبيل المثال، تتجه أسعار الطاقة، التي كانت تهدد بدفع الاقتصاد العالمي صوب الركود، إلى الانخفاض. فأسعار النفط والغاز الطبيعي كلاهما أقل مما كانا عليه قبل عام. وبينما تفاقم ارتفاع أسعار البيض بسبب تفشٍّ خطير لإنفلونزا الطيور، فإن صعود أسعار السلع الغذائية هو تذكير مهم بقانون اقتصادي ثابت: الجميع بحاجة إلى تناول الطعام.
وكانت أسعار البيض في المعتاد من بين أسعار المواد الغذائية المعقولة في الماضي، لكنها ارتفعت في ديسمبر الماضي 60 بالمئة مقارنة مع نفس الوقت من العام السابق. حتى إن البيض تجاوز أسعار المواد الغذائية، التي زادت 10.4 بالمئة، بهامش كبير.
وتظهر البيانات الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس ووزارة الزراعة الأمريكية أن الاتجاه الصعودي لأسعار البيض سيستمر حتى في 2023. ووصلت أسعار البيض إلى ثلاثة أضعاف تكلفتها قبل عام في العديد من الولايات الأمريكية.
الأمر نفسه رددته “ليز يونغ” رئيسة استراتيجية الاستثمار لدي “إس.أو.إف.آي” والتي قالت “لم أتمن أبدا أن يكون لدي حظيرة دواجن بهذه الرغبة من قبل”.
ويقول الخبراء إنه حتى في الوقت الذي يتراجع فيه معدل التضخم في الولايات المتحدة من ذروة سجلها في يونيو، لا يبدو أن أسعار البيض تلحق بهذا الانخفاض في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية.
تلك الأسباب وغيرها ربما تكون هي التي دفعت “روس كويستريتش” مدير المحافظ لدى “بلاك روك” للإجابة عن سؤال طرحته “بلومبرج” على مديري الأموال المخضرمين بشأن أفضل السبل لاستثمار عشرة آلاف دولار في الوقت الحالي بأنه الدواجن.